أقول: المستفاد من رواية عائشة وعبد الله بن عمر وغيرهما إن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر الناس بصومه حين قدم المدينة، ثم فرض صوم رمضان ونسخ وجوبه وبقي مستحبا. ولكن المستفاد من خبر عبد الله بن عباس وأبي موسى أن النبي لم يكن متلفتا إلى صوم عاشوراء وإنما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود، فأمر به لأحقيته من اليهود بموسى عليه السلام، فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمره صلى الله عليه وسلم إلى تقليد أهل الجاهلية، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود، وهنا تناقض آخر نقل في كتاب مسلم عن عبد الله بن عباس، وإليك نصه:
(418) حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا:
يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فإذا كان العام المقبل أن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
فترى الحديث يقول: إن النبي لم يكن عالما بأن اليهود والنصارى يعظمون يوم عاشوراء، فلما علم به عزم على ترك صومه وقصد صوم اليوم التاسع، لكنه توفي قبل حلول العام المقبل. وفي هذا الحديث أمور أخر، منها: إن أمره بصوم يوم عاشوراء كان باقيا إلى قبل سنة من موته لا أنه نسخه وجوب صوم رمضان.
وثانيا: إن تعظيم اليوم المذكور لم يكن مختصا باليهود، بل ويعظمونه النصارى أيضا.
وثالثا: إن النبي لم يصم اليوم التاسع أصلا، لكن هنا حديثا آخر