مناظرات في العقائد والأحكام - الشيخ عبد الله الحسن - ج ١ - الصفحة ٣٣٢
بهذا المستوى من المعرفة (1) أو الانحراف والعياذ بالله.
(1) وقد شهد لهم حتى أعدائهم بأنهم من أهل بيت زقوا العلم زقا ولم يخف عليهم علم من العلوم كما شهد لهم بجدارتهم وأهليتهم لإمامة الناس كل من ناظرهم وحاورهم مستفهما كان أو متعنتا حتى الخلفاء والحكام شهدوا لهم بذلك، فهذا المأمون العباسي بعدما قرب الإمام الجواد (عليه السلام) إليه واختاره على كافة أهل الفضل مع صغر سنه جاء إليه جماعة من العباسيين وقد غاضهم أمر الجواد (عليه السلام) فأنكروا على المأمون فعله وأشاروا عليه بتبعيده وصرف النظر عنه، واحتجوا بأنه صبي لا معرفة له ولا فقه، حتى آل أمرهم إلى امتحانه واختباره، وعمدوا إلى عالمهم يحيى بن أكثم كي يلقي إليه مسألة من فقه الشريعة لا يهتدي إلى جوابها!! ووعدوه بأموال نفيسة في ذلك إن انتصر عليه، فاجتمعوا في مجلس المأمون، وكانوا لا يشكون في انتصار يحيى بن أكثم على الإمام الجواد (عليه السلام) لجهلهم به، فما كان من أمر يحيى في ذلك المجلس أن ألقى إلى الإمام (عليه السلام) سؤالا زاعما أنه ملجمه به قائلا: ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فما كان من جواب الإمام له أن ابتداءه قائلا (عليه السلام): قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أو جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أو عبدا؟
صغيرا كان أم كبيرا؟ فراح يعدد عليه الإمام فروض المسألة، فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتى عرف أهل المجلس عجزه وانكساره أمام هذا الصبي الذي يزعمون أنه لا معرفة له بالفقه، حتى أخذ يبين لهم ما جهلوه من فروض هذه المسألة ولما انتهى من الجواب طلب منه المأمون العباسي أن يسأل يحيى عن مسألة كما سأله، فأخذ يسأله ويحيى يقول: ذلك إليك جعلت فداك! فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك؟ فألقى إليه مسألة لم يهتد ولن يهتد إلى جوابها! فطلب من الإمام أن يبين له ويشرح ما خفي عليهم من مسألته، ولما انتهى الإمام (عليه السلام) من كلامه وكلهم إذن صاغية لمتكلم هو أصغر منهم سنا، التفت إليهم المأمون قائلا لهم: ويحكم! إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الإسلام وحكم له به، ولم يدع أحدا في سنه غيره، وبايع الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما دون الست سنين، ولم يبايع صبيا غيرهما؟ أولا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم؟ وأنهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟!
فقالوا: صدقت. (راجع: الإحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 469 - 476، نور الأبصار للشبلنجي: ص 177 - 178، تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي: ص 359، الإرشاد للمفيد:
319 - 323.