البصر بالمرئي، ومنزهوا الله تعالى من الأشاعرة وغيرهم مجمعون على امتناع اتصال شئ ما بذاته جل وعلا.
ومنها: أن الاستقراء يشهد أن كل متصور لا بد أن يكون إما محسوسا أو متخيلا، من أشياء محسوسة أو قائما في نفس المتصور بفطرته التي فطر عليها، فالأول كالأجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وكالحلاوة والمرارة ونحوهما من المحسوسة بالذائقة، والثاني كقول القائل: أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد، ونحوه مما تدركه المخيلة مركبا من عدة أشياء أدركه البصر. والثالث: كالألم واللذة والراحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما يدركه الإنسان من نفسه بفطرته، وحيث أن الله سبحانه متعال عن هذا كله لم يكن تصوره ممكنا. انتهى. وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص 33 حديث أبي قرة المتقدم. ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج 4 ص 36 وقال في ص 37 قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وإلى الفؤاد.
قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل، أو ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه. والمعنى لم يكن تخيلا كاذبا، ويدل عليه أنه سئل عليه السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرأ: ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه. أفتمارونه على ما يرى أفتجادلونه عليه، من المراء وهو المجادلة. انتهى.
قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوها ثلاثة: الأول الرب تعالى والثاني جبرئيل عليه السلام والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلا نزلة أخرى فيحتمل نزوله صلى الله عليه وآله ونزول مرئية. فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:
الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذ المرئي غير مذكور في اللفظ،