ليس يفيد الرؤية ولا الرؤية من أحد محتملاته، ودلوا على أن النظر ينقسم إلى أقسام كثيرة، منها تقليب الحدقة الصحيحة في جهة المرئي طلبا لرؤيته، ومنها النظر الذي هو الانتظار، ومنها النظر الذي هو التعطف والمرحمة، ومنها النظر الذي هو الفكر والتأمل، وقالوا إذا لم يكن قي أقسام النظر الرؤية لم يكن للقوم بظاهرها تعلق واحتجنا جميعا إلى طلب تأويل الآية من غير جهة الرؤية.
وتأولها بعضهم على الانتظار للثواب وإن كان المنتظر في الحقيقة محذوفا والمنتظر منه مذكورا، على عادة للعرب معروفة.
وسلم بعضهم أن النظر يكون الرؤية بالبصر وحمل الآية على رؤية أهل الجنة لنعم الله تعالى عليهم، على سبيل حذف المرئي في الحقيقة وهذا كلام مشروح في مواضعه، وقد بينا ما يرد عليه وما يجاب به عن الشبهة المعترضة في مواضع كثيرة.
وهاهنا وجه غريب في الآية حكي عن بعض المتأخرين لا يفتقر معتمده إلى العدول عن الظاهر أو إلى تقدير محذوف ولا يحتاج إلى منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية أو لا يحتملها، بل يصح الاعتماد عليه سواء كان النظر المذكور في الآية هو الانتظار بالقلب أم الرؤية بالعين، وهو أن يحمل قوله تعالى إلى ربها إلى أنه أراد نعمة ربها لأن الآلاء النعم وفي واحدها أربع لغات: ألا مثل قفا، وألى مثل رمى، وألي مثل معي، وألى مثل حتى، قال أعشى بكر بن وائل:
أبيض لا يرهب الهزال * ولا يقطع رحما ولا يخون إلى أراد أنه لا يخون نعمة، وأراد تعالى إلى ربها فأسقط التنوين للإضافة.
فإن قيل: فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل من حمل الآية على أنه أراد به إلى ثواب ربها ناظرة بمعنى رائية لنعمه وثوابه.
قلنا: ذلك الوجه يفتقر إلى محذوف لأنه إذا جعل إلى حرفا ولم يعلقها بالرب تعالى فلا بد من تقدير محذوف، وفي الجواب الذي ذكرناه لا يفتقر إلى تقدير محذوف، لأن إلى فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلى تقدير غيره، والله أعلم بالصواب.