أنه أثبت لنفسه ذلك عاما، فلو جاز أن يخص ذلك بوقت دون وقت لجاز مثله في كونه مدركا. وإذا ثبت نفي إدراكه على كل حال، فكل من قال بذلك قال الرؤية مستحيلة عليه. ومن أجاز الرؤية لم ينفها نفيا عاما فالقول بنفيها عموما، مع جواز الرؤية عليه قول خارج عن الإجماع.
فإن عورضت هذه الآية بقوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، فإنا نبين أنه لا تعارض بينهما وأنه ليس في هذه الآية ما يدل على جواز الرؤية إذا انتهينا إليها إن شاء الله.
- تفسير التبيان ج 1 ص 228 وقال قوم: إن النظر إذا كان معه إلى لا يحتمل إلا الرؤية. وحملوا قوله: إلى ربها ناظرة على ذلك وقالوا لا يحتمل التأمل. وذلك غلط لأنهم يقولون: إنما أنظر إلى الله ثم إليك بمعنى أتوقع فضل الله ثم فضلك. وقال الطريح بن إسماعيل:
وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك جرتني نعماء وقال جميل بن معمر:
إني إليك لما وعدت لناظر * نظر الفقير إلى الغني الموسر وقال آخر:
وجوه يوم بدر ناظرات * إلى الرحمان تأتي بالفلاح وأتوا ب (إلى) على معنى نظر الانتظار.
والصحيح أن النظر لا يفيد الرؤية وإنما حقيقته تحديق الجارحة الصحيحة نحو المرئي طلبا لرؤيته، ولو أفاد الرؤية لما جعل غاية لنفسه، ألا تراهم يقولون: ما زلت أنظر إليه (حتى رأيته) ولا يقولون ما زلت أراه حتى رأيته، ولأنهم يثبتون النظر وينفون الرؤية فيقولون: نظرت إليه فلم أره، ولا يقولون رأيته فلم أره.
- تفسير التبيان ج 10 ص 197 ثم قسم تعالى أهل الآخرة فقال (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) أي مشرقة مضيئة، فالنضرة الصورة الحسنة التي تملأ القلب سرورا عند الرؤية، نضر وجهه