واعتراف لحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قدرته، ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كل ما خلق حجة له ودليلا عليه، وإن كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة، ودلالته على المبدع قائمة.
فأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ندلك، وكأنه لم يسمع تبرأ التابعين من المتبوعين إذ يقولون: تالله إن كنا لفي ضلال مبين، إذ نسويكم برب العالمين.
كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزأوك تجزئة المجسمات بخواطرهم، وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم. وأشهد أن من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك، ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك. وأنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفا، ولا في رويات خواطرها فتكون محدودا مصرفا.
- وروى هذه الخطبة الصدوق في التوحيد ص 48 فقال:
139 حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حبا وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام ونادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله، ثم قام متغير اللون فقال.... كما في نهج البلاغة بتفاوت في بعض الكلمات.