زعموا أنا قتلة عثمان؟ إنما أتوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا. فحصبه الناس (رجموه بالحصباء) فعرف عثمان أن لأصحاب عائشة بالبصرة ناصرا فكسره ذلك، فأقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد (محبس الإبل) فدخلوا من أعلاه ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها (وعلى ذلك كان قسم من أهل البصرة مع عائشة، وقسم مع عثمان بن حنيف، والى البصرة من قبل علي رضي الله عنه).
فاجتمع القوم بالمربد فتكلم طلحة وهو في ميمنة المربد، وعثمان بن حنيف في ميسرته. فأنصتوا له، فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان وفضله، وما استحل منه ودعا إلى الطلب بدمه وحثهم عليه، وكذلك والزبير. فقال: من في مدينة المربد: صدقا وبرا.
وقال من في ميسرته: فجرا وغدرا وأمرا بالباطل، فقد بايعا عليا ثم جاءا يقولان.
وعند ذلك تحاصب الفريقان وأثاروا الغبار.
ثم تكلمت عائشة رضي الله عنها، وكانت جهورية الصوت. فحمدت الله وقالت:
كان الناس يتجنون على عثمان ويزرون على عماله، ويأتوننا بالمدينة فيستشروننا فيما يخبروننا عنهم فننظر في ذلك فنجده بريئا تقيا وفيا، ونجدهم فجرة غدرة كذبة، وهم يحاولون غير ما يظهرون. فلما قووا، كاثروه واقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام بلا ترة ولا غدر. الا إن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره، أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله، وقرأت (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله) الآية.
ولما سمع أصحاب عثمان خطبة عائشة افترقوا فرقتين. فرقة قالت: صدقت وبرت. وقال الآخرون: كذبتم والله ما نعرف ما جئتم به. فتحاثوا وتحاصبوا. فلما رأت عائشة ذلك انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان بن حنيف حتى وقفوا في المربد مع موضع الدباغين، وبقي أصحاب عثمان على حالهم، ومال بعضهم إلى عائشة، وبقي بعضهم مع عثمان.