رسول الله من أخوك؟ قال عليه السلام: علي يا أم أيمن. قالت تكرر وتستغرب:
وكيف يكون أخاك وقد زوجته ابنتك؟ قال: هو ذاك يا أم أيمن.
ثم دعا عليه السلام بماء فيه آنية فغسل فيه يديه ثم دعا عليا فجلس بين يديه فنضح على صدره من ذلك الماء وبين كتفيه.
ثم دعا عليه الصلاة والسلام فاطمة قائلا: تعالى يا بنية، فأقبلت على استحياء بغير خمار تعثر في ثوبها فنضح عليها من ذلك الماء ثم قال: والله ما ألوت أن زوجتك غير أهلي. وهم الرسول بالخروج وكان ذلك بعد صلاة العشاء بكت فاطمة فقال لها مباركا مهدئا: أي بنيتي قد تركتك وديعة عند رجل إيمانه أقوى إيمان وعلمه أكثر من علم الجميع وإنه أفضل الناس أخلاقا وأعلاهم نفسا. صدق رسول الله.
وكان الزفاف بعد غزوة بدر لكن الخطوبة كانت قبل بدر، ويروى في ذلك أن عمر السيدة فاطمة كان ثماني عشر سنة والإمام كرم الله وجهه في الخامسة والعشرين.
وبدأت حياتها هنيئة راضية، في رفاهية الإيمان وحلاوته وتقشف مادي سما فوقه إيمانها مما جعل العروسان الشابان يكسران حاجز السعادة بالمادة فقط لا بل ليست الرفاهية قصورا وحدائق فقط.
فاطمة في بيت الإمام دخلت الزهراء البتول بيت الإمام وكانت أمه فاطمة بنت عبد الأسد سيدة قريش ذات طيب وشرف وخلق عظيم. وجاء علي بزوجته باسما هاشا للأم الرؤوم وقال: يا أماه اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقيان الماء والذهاب في الحاجة وهي تكفيك الداخل أي داخل البيت الطحن والعجن، وحسبي أن الأم سعيدة بهذا المنزل لابنها الكريم الذي تزوج من ابنة حبيبه الذي عايش طفولته وشبابه وهاهو ذا يهديه ابنته وهو من المال قليل ومن الزاد ما يكفي يومه فقط صلى الله عليه وسلم.
واستمرت الحياة هانئة جميلة بين العروس وزوجها، وما تخلو الشهور الأولى من الزواج من دلال العروس حين يغضب الزوج قليل التجربة بمسؤولية الزواج ولكنها لا تطول وتتنظم الحياة هانئة بينهما فيما بعد، ومما يذكر في ذلك خبر عظيم وجميل في سرده ليكون درسا مسبقا من الأسرة النبوية رضي الله عنهم أجمعين.
حملت السيدة فاطمة حملها الأول وجاءت أم الفضل زوجالعباس بن عبد المطلب وقالت: يا رسول الله رأيت رؤيا عجيبة، فقال عليه السلام: خيرا. قالت: رأيت عضوا من أعضاء جسمك في بيتنا، فابتسم وقال لها: خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فترضعينه، وذهب إلى فاطمة وبشرها بغلام.
وبعد أيام جاء الطفل الحسن بن علي بن أبي طالب فأولم عليه السلام وذبح شاة وقام بتوزيعها على الفقراء وأعطى القابلة فخذ الشاة ودينارا وراح والغلام يبكي ويعلو صوته في بيت الإمام فيجئ الرسول ويقول لفاطمة: أرضعي الحسن يا فاطمة فإن صوته يؤلمني، رضي الله عنهم أجمعين.
وتحركه فاطمة بين يديها وتقول:
أشبه أباك يا حسن * خلع عن الحق الرسن واعبد إلها ذا منن * ولا توالي ذا الإحن وجاء بعده بعام الحسين ثم زينب، وكانوا مكرمين عند جدهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان دائما يقول: الحسن والحسين ريحانتاي في الدنيا. وذات يوم تقاتل الحفيدان، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: إيها حسن.
فقالت فاطمة والإمام علي كرم الله وجهه: يا رسول الله أعلى حسين تواليه؟ فابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال: هذا جبريل يقول: إيها حسين ولم يطق الرسول أيضا سماع بكاء حسين بن علي فأسرع إلى فاطمة يقول: يا فاطمة أسكتي حسينا ألم تعلمي إن بكاءه يؤذيني؟ وأنجبا السيدة زينب عقيلة بني هاشم كما سموها وعاشا على الإيمان والحب.
نعم عاشا على الإيمان والحب لا طمع في الدنيا ومالها وزينتها والسمع والطاعة لتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإمام رضي الله عنه وكرم الله وجهه يروي لنا كيف كانا يواجهان حياتهما.
قال الإمام: اشتكت فاطمة ما تلقى من الرحى وقد تعبت يداها من إدارتها فبلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بسبي - أي جاءه بعض الأسرى - فاتته تسأله خادما يساعدها في شؤون البيت فلم تجد أباها، فذكرت ذلك للسيدة عائشة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت عائشة له ذلك فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا وأردنا أن ننام فذهبنا نقوم.
فقال عليه السلام: على مكانكما، ألا أدلكما على خير مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله ثلاثا وثلاثين واحمداه ثلاثا وثلاثين، وسبحاه ثلاثا وثلاثين إن ذلك خير مما سألتماني.
وكان ذلك مثلا لتضحية الرسول وأهله رضوان الله عليهم برغد هذه الدنيا والرغبة فيها بل آثروا شظفها وشقاءها على رغدها ونعيمها حبا في العدل وكرها في متاعها القليل (إنما الحياة الدنيا لهو ومتاع).
ولما رآها صلى الله عليه وسلم تقتني سلسلة من الذهب أهداها لها الإمام، قال عليه السلام لفاطمة: يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس ابنة الرسول في يدها سلسلة من نار؟ ثم خرج عليه السلام ولم يعقد، فأرسلت أم الحسن رضي الله عنها فباعتها واشترت بثمنها عبدا فأعتقته. فحدث الرسول بعد ذلك قائلا: الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار.