مقتديا به في أقواله وأفعاله، فنشأ عف اللسان، قوي العزيمة، طاهر العقيدة، لم يتدنس بدنس الجاهلية، ولم يعبد وثنا قط، ولم يسجد لصنم، ولذا قيل: علي كرم الله وجهه (1).
(1) قال الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 44 ط دار الهجرة ببيروت:
الإمام الصهر الخطوبة والزواج كان الإمام فقيرا لدرجة إنه أي فقره اضطره إلى أن يعمل أجيرا عند أحد الملاك من الأنصار، فكان يقضي يومه بين الصلاة وري النخيل. وبدا له في هذه الأيام رغبته في الزواج من فاطمة، وبينما هو يمتج الماء من البئر إذ بعثمان وأبي بكر يمران به، فأوقفه الرجلان عن عمله وذكراه برغبة كثيرا ما أبداه في الزواج من فاطمة بنت الرسول قائلين: إنه أحق الناس بها، فغضب علي وعتب عليهما أن كلماه في هذا الحكم الذي ظنه محال التحقيق لفقره وضيق ذات اليد..
إلا أنه كرم الله وجهه تذكر وعدا قد وعده به رسول الله وراح يدق بقدمه المستدق شوارع وطرقا تؤدي إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وصل هناك ودق الباب فأذن له: فوقف مطأطئ الرأس في حياء أمام رسول الله، فقال له الرسول: تكلم يا علي ما حاجتك.
فذكر رضي الله عنه فاطمة بعد أن تكلم ذاكرا أنه عليه السلام رباه وعطف عليه ووعده أيضا، وتوقفت الكلمات في حلق الإمام عند هذا الحد حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابه الرسول باسما وعيناه لا تفارق وجه الإمام.
هي لك لست بدجال وهنا يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم إنه قد وعده بذلك أي ليس بكذاب ثم أضاف عليه السلام: وهل عندك شئ؟ (يقصد المهر) فقال الإمام كرم الله وجهه: لا يا رسول الله إنما جئت حاملا كل مالي سيفي ودرعي، قال عليه السلام: إن السيف للإسلام ليس للرسول أن يقبله، أما الدرع ففي قوة ذراع البطل غناء عنها، وتستطيع أن تبيعها وتأتي بثمنها مهرا لفاطمة. فصمت الرسول صلى الله عليه وسلم برهة ثم دخل على فاطمة يقول لها: إن عليا يذكرك فسكتت وأطرقت حياء..
وحسبي أن الرسول قد أشرق على وجهه ابتسامة الرضا عما تم في هذه اللحظات الكريمة.
وخرج الإمام بنبأه على أصحابه وكان ممن علموا خبر هذا الحديث عثمان بن عفان الذي اشترى منه الدرع بثمن لا بأس به وأعاده له هدية ليلة زفافه المباركة.
وأمهرها الإمام رضي الله عنه بعد أن باع بعيرا كان بملكه أيضا وبعض متاعه أمهرها أربعمائة وثمانين درهما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجعل ثلثين في الطيب وثلثا في المتاع.
الزفاف وجاء ذلك اليوم.. ودعا بلال عددا من المؤمنين ليستمعوا إلى خطبة رسول الله في زواج الإمام علي بن أبي طالب من فاطمة بنت محمد بن عبد الله وانصرف هو أي بلال فأحضر لوازم الزواج المتواضعة فاشترى بنصف المهر الأشياء التي لا يستغني عنها في بيت: جلد شاة فراشا للنوم قميصين غطاء رأس واحد وسوارين من الفضة ووسادة من الجلد محشوة بسعف النخيل ورحى وإناءين كبيرين للماء وإبريقا من الفخار وقربة.
وأنفق الباقي في الزبد والدقيق والتمر لوليمة العرس. وعاد بلال محمدا بكل ما يلزم البيت بينما وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب في المسلمين ويقول: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المهروب إليه من عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه، إن الله عز وجل جعل للمصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا وحكما عادلا، وخيرا جامعا وشج به الأرحام، وألزمها الأنام وقال عز وجل: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) وأمر الله تعالى يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره ولكل قضاء قدر ولك قدر أجل، ولكل أجل كتاب ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي وأشهدكم أني زوجت من فاطمة عليا على أربعمائة مثقال فضة، إن رضي ذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة.
وبعد انتهاء الخطبة دعا لهما بحسن المعاشرة وبالذرية الصالحة المباركة وبعد أن أتم عقد الزواج أحضر الرسول للحاضرين من المهاجرين والأنصار بعضا من التمر وقدمه إليهم قائلا: تخاطفوا.
وبعد ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا علي إنه لا بد للعروس من وليمة.
قال سعد بن أبي وقاص مبادرا في الحديث: عندي كبش وأهداه إلى هذا الحفل الكريم، وجمع رهط من المسلمين أغلبهم من الأنصار: آصعا من ذرة، وأكل الجميع في حفل عرس بنت رسول الله..
وجاء المساء وزفت النسوة من المهاجرين والأنصار فاطمة وقالت في ذلك إحدى نساء الأنصار تصف عروسنا المباركة: كنب مع النسوة اللاتي أهدين فاطمة إلى علي، فأهديناها في بردين من برود الأول عليها ملوجان من فضة مصفران بزعفران فدخلنا بيت علي فإذا إهاب شاة ووسادة فيها ليف وقربة ومنخل ومنشفة وقدح.
وكانت أم أيمن من النسوة اللاتي حضرن الحفل فها هي ذي يشاركنها الرواية رواية قصة هذا العرس الرائع فتقول: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عليا ألا يدخل على فاطمة حتى يجيئه، وكانت اليهود يؤخرون الرجل عن أهله، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف بالباب وقال: السلام عليكم ورحمة الله أتأذنون لي، فأذن له فقال: أثم أخي. فقالت أم أيمن ضاحكة مستغربة كلمة أخي: بأبي أنت وأمي يا