قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجروا الأنهار وركبوا لخيول الفارهة واتخذوا الوصائف الرقيقة وصار ذلك عليهم عارا وشنارا، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا.
فلما كان الغد غدا الناس لقبض حقوقهم، فأمر كاتبه عبيد الله بن أبي رافع أن يبدأ بالمهاجرين، وأعطى كل من حضر منهم ثلاثة دنانير، ثم ثنى بالأنصار ثم سائر الناس كلهم، سوى بينهم الأحمر فيهم والأسود، فقال له سهل بن حنيف: هذا غلامي أعتقته بالأمس. قال: نعطيه كما نعطيك ثلاثة دنانير.
وقد تخلف عن هذه القسمة طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم.
وقال علي: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج به النساء وفرقه في البلدان لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق.
ولما جاءته امرأتان فسوى بينهما، قالت إحداهما: إني امرأة من العرب وهذه أعجمية، فقال: إني لا أرى لبني إسماعيل في هذا الغني فضلا على بني إسحاق.
وغضب البعض مما يصنع أمير المؤمنين. وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية يقول: ما كنت صانعا فاصنع.
ودعى البعض في السير إلى رفض علي لمساواته بينهم وبين الأعاجم، ولما بلغه ذلك صعد المنبر متقلدا سيفه وقال: ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة الرسول، قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
ثم صاح بأعلى صوته: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإن الله لا يحب