أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - الصفحة ٢١٦
والواقفية (1)،
(١) تطلق هذه التسمية على الأفراد والجماعات المنحرفة من الذين وقفوا على إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام ولم يذهبوا إلى القول بوجوب امتداد الإمامة إلى من بعده من الأئمة كما هو ثابت ومنصوص عليه، رغم أن هذه التسمية، ولكثرة ما اشتهر من الذين وقفوا على الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، أخذت تنصرف إلى هذه الجماعة عند الاطلاق.
والحق يقال: أن هذه الظاهرة المنحرفة كانت تشكل حالة مرضية لا يمكن الإعراض عنها وإهمالها لما تمثله من تفكير فاسد ومنحرف وضع لبناته جملة مشخصة من الجماعات لأغراض ومآرب واضحة ومعروفة، ولذا فقد تصدى لإبطال شبهات ودعاوى هذه الجماعات أئمة أهل البيت عليهم السلام وكبار رجالات الطائفة وأعيانها، ودعوا الناس إلى نبذهم وإدراك أغراضهم من هذا الطرح الباهت والباطل.
ولعل المرور المتعجل على الأسباب التي نشأت من خلالها هذه الأطروحة الساقطة يبين بوضوح أن أولى تلك الأسباب كان الجشع والطمع والضعف قبال الثروات الهائلة التي أؤتمن عليها أولئك الرواد الأوائل لهذه الجماعات المنحرفة، والتي كان ينبغي أن تخضع لوصاية الإمام التالي للإمام المتوفى، والتي كانت أوضح صورها بعد استشهاد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، بعد غيبته التي امتدت لسنين طويلة في سجن الرشيد، فكان وجود هذه الثروات الضخمة والطائلة بأيدي ذلك البعض أبان الظروف العسرة والشاقة التي أحاطت بالشيعة ولا سيما وإمامهم مغيب في قعر السجون، وهم دائما تحت طائلة العقاب، من سجن ونفي وتشريد وقتل، بأيدي أزلام السلطة، والعديد من عشاق المال والثروة، وطلاب الجاه والشهرة غنيمة باردة صورتها لهم نفوسهم المريضة، وأفكارهم المضطربة أمام بريق هذا المال ووهجه البراق، فكان أن وقع ما هو ليس بمستغرب، بل وكثير ما نشاهده ونسمعه في كل زمان ومكان، من انهيار البعض وسقوطه في هذا الامتحان الكبير... فلم يجد أولئك المفتونين بعد قدح زناد الفكر حيلة كما صورتها لهم أفكارهم الفاسدة أنسب من ادعاء عدم وفاة الإمام الذي كان هو المصرف الأول لشؤون هذه الأمة، ومن له الحق المطلق في كيفية إنفاق هذه الأموال، والقول بأنه حي يرزق، وأنه سيعود لتصريف هذه الشؤون ولو بعد حين. وإذن فلا ولي لهذه الأموال في غيبة الإمام كنتيجة لقولهم هذا إلا هم، وهم أسياد في التصرف بما لا رقيب عليه. فطلبوا لدعواهم الباهتة هذه وزمروا، وتشبثوا بها تشبثا مستميتا.
وكان من نتيجة ذلك الموقف أن ردوا إمامة ولده علي بن موسى الرضا عليه السلام، وبقيت أديهم حرة في التلاعب بتلك الأموال الطائلة.
نعم، هذا الجانب كان يشكل الطرف الأهم في بروز ونشوء هذه الحالة المنحرفة لدى تلك الجماعات المنبوذة والمردودة، وإن كانت هناك جملة أخرى من الأسباب الباهتة التي سوغت لهم هذا الموقف المشين والمخزي، ومن ضمنها حالة الغرور والتكبر والتفرعن التي أصابت رواد تلك المدرسة المنحرفة مع تقادم السنين وتكدس الثروات بأيديهم، واحترام وتكريم الناس لهم، فلم يكن هذا ليتوافق في مخيلتهم المريضة مع إذعانهم لإمام يصغرهم سنا، والانقياد لأوامره.. مضافا إلى غير ذلك من الشبهات والارتباكات الفكرية التي تفاعلت مع غيرها من الأسباب في صناعة هذه الفتنة الفاسدة والتي ليست هنا بمحل بحثنا.
راجع: فرق الشيعة: ٥٤، ٨١، الفصول المختارة: ٣١٣، فوائد الوحيد البهبهاني:
40، معراج أهل الكمال في معرفة الرجال (مخطوط)، الواقفية 1: 18 وما بعدها، الملل والنحل 1: 167.