أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - الصفحة ٢١٣
[هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة] (1) والناقص لا يكون مكملا، والفاقد لا يكون معطيا.
فالإمام في الكمالات دون النبي وفوق البشر.
فمن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو عند هم مؤمن بالمعنى الأخص، وإذا اقتصر على تلك الأركان الأربعة فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم، تترتب عليه جميع أحكام الاسلام، من حرمة دمه، وماله، وعرضه، ووجوب حفظه، وحرمة غيبته، وغير ذلك، لا أنه بعدم الاعتقاد بالإمامة يخرج عن كونه مسلما (معاذ الله).
نعم يظهر أثر التدين بالإمامة في منازل القرب والكرامة يوم القيامة، أما في الدنيا فالمسلمون بأجمعهم سواء، وبعضهم لبعض أكفاه، وأما في الآخرة فلا شك أن تتفاوت درجاتهم ومنازلهم حسب نياتهم وأعمالهم، وأمر ذلك وعلمه إلى الله سبحانه، ولا مساغ للبت به لأحد من الخلق.
والغرض: إن أهم ما امتازت به الشيعة عن سائر فرق المسلمين هو:
القول بإمامة الأئمة الاثني عشر، وبه سميت هذه الطائفة (إمامية) إذ ليس كل الشيعة تقول بذلك، كيف واسم الشيعة يجري على الزيدية (2)،

(١) الجمعة ٦٢: ٢.
(٢) نشأت هذه الفرقة أبان الظروف القاسية التي أحاطت بالشيعة في العراق أثناء حكم الأمويين المعروف بعدائه الشديد، وبغضه المشهور للشيعة وأئمتهم عليهم السلام، وكردة فعل للأحوال المزرية المحيطة بهم.
فقد كان العراق آنذاك تحت ولاية يوسف بن عمر الثقفي الجندي المطيع، والكلب الوفي، والعميل المخلص المتفاني في تحقيق أهداف الأمويين، بل ويدهم الضاربة التي لا تتردد في البطش بكل من يفكر في الاعتراض على سياستهم الخرقاء الفاسدة، وظلمهم الذي لا يقف عند أي حد.
ومن الثابت أن هذا الرجل كل من أشد المبغضين للشيعة حتى قبل تسنمه لمنصب ولاية العراق، لأنه عمل جهده قبل ذلك على إقصاء خالد القسري عن هذه الولاية لانتهاجه سياسة الرفق واللين مع عموم الناس في العراق، وحيث يمثل الشيعة الأكثرية منهم، فألقى في روع الأمويين ما يمكن أن تشكله سياسة خالد المتساهلة مع الشيعة من عوامل لعلها تؤدي إلى تقوية شوكتهم، وتنامي قوتهم، فعزل خالد وولي يوسف الثقفي محله، فكان أول ما افتتح به ولايته أن شدد الخناق على الشيعة، وضيق عليهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ونكل بهم، وشردهم، وأعمل السيف في رقابهم، فعاش الشيعة ظروفا قاسية ومرة شملت الصغير منهم والكبير، والنساء منهم والرجال، فلم يسلم منهم أحد، ولا سيما وجوههم وأعيانهم، حيث كان الأمر عليهم شديدا، والبلاء حولهم مضيقا، ومنهم أخ الإمام الباقر عليه السلام زيد بن علي رحمه الله تعالى برحمته الواسعة، فناله ما نالهم، وتعرض لمثل ما تعرضوا له من الظلم والتعدي، بل ووشى به يوسف إلى أسياده، فاستدعي (أي زيد) إلى مقر الحكم الأموي في الشام، وحيث كان آنذاك هشام بن عبد الملك، فتعمد توجيه الإهانات اللاذعة والجارحة لزيد رحمه الله تعالى، فثار بوجهه، ورد عليه حتى ألجمه ولم يحر أمامه جوابا.
ثم خرج بعد ذلك زيد من الشام حانقا على هشام، ثائرا على سياسته، وتوجه إلى الكوفة، ثم أراد أن يقصد المدينة إلا أن أهل الكوفة استغاثوا به وطلبوا منه الخروج على الأمويين، وأعطوه على مناصرته العهود والمواثيق، وبايعه على ذلك أربعون ألفا وفي خبر:
أنهم بلغوا ثمانين ألفا فخرج بهم.
لقد كان زيد رحمه الله تعالى مشهورا بالصلاح والورع والتقوى، وكان صاحب فضل وعلم مشهود، وكان أيضا من أكثر الداعين إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام، ولم يدع الإمامة لنفسه قطعا كما يدعي البعض ذلك لإدراكه قبل غيره موضع الحق وأهله، ولكن وبعد النهاية المفجعة لثورته العارمة تلك، وبالتحديد بعد ما يقارب من نصف قرن من الزمان وقع الخلاف من بعض الشيعة والذي يعد من أوضح أسبابه شدة ضيقهم وبغضهم للأمويين وسياستهم الظالمة الخرقاء، وقساوتهم وشدة تنكليهم بالشيعة حيث توهموا وادعوا بأن الإمامة لكل فاطمي دعا إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة، وكان من أهل العلم والشجاعة، وكانت بيعته تجريد السيف للجهاد.
ومن هنا ونتيجة لرأي دعاة هذه الفرقة فإن الإمامة بعد مقتل زيد قد انتقلت إلى ولده يحيى الذي خرج بعد ذلك على الأمويين أيضا، وحاربهم حتى قتلوه بعد فترة في الجوزجان، وهكذا.
راجع: فرق الشيعة: ٢١ و ٥٥، أوائل المقالات: ٤٦، الفصول العشرة في الغيبة:
٢٧٣
، الملل والنحل 1: 154، الإمام زيد: 5، تأريخ المذاهب الاسلامية: 44، الفرق بين الفرق: 2.
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست