فصل في تأويل ما سألني عنه بعض الطلبة وذكر أنه وجده في بعض الكتب مرويا ولفظه: من عرف الحق لم يعبد الحق.
فكتبت في جوابه أقول: مثل هذا لا ضرورة بنا إلى تأويله وتوجيه الفكر إلى توجيهه إذ لم يصلح له سند ولا ثبت في كتاب معتمد مع أن ظاهره مخالف لصريح العقل وصحيح النقل بل يقتضي بطلان ضروريات الدين ويصادم الكتاب والسنة وإجماع المسلمين فيحتاج إلى إثباته أولا وصرفه عن ظاهره ثانيا ويقرب إلى الاعتبار أنه من كلام بعض الصوفية القائلين بسقوط العبادات عمن وصل إلى مرتبة الكشف والوصول وبعد تسليم كونه حديثا مرويا يجب اطراحه لما قلناه من عدم وجود سنده وعدم قيام القرائن على صحته وعلى تقدير عدم إمكان اطراحه وثبوت صحة نقله يجب تأويله ولو بوجه بعيد لضرورة الجميع بين الأدلة، وتأويله ممكن من وجوه نذكر منها هنا اثني عشر:
الأول: أن تكون العبادة بمعنى الجحود والإنكار فإن أحد معانيها اللغوية صرح به صاحب القاموس وغيره وذكروا أن الفعل منه كفرح وعليه حمل قوله تعالى (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) (1) على بعض الوجوه فيكون المعنى من عرف الحق معرفة صحيحة لم يجحده بعد معرفته ويكون فيه إشارة إلى أن من أنكر الحق بعد معرفته به ظاهرا لا يكون ما تقدم منه معرفة كما يعزى إلى السيد المرتضى من القول باستحالة تجدد الكفر بعد الإيمان الصحيح والمعرفة اليقينية وإن من تجدد كفره علم أن إيمانه السابق في الظاهر كان نفاقا في الباطن وفي أحاديث أصول الكافي ما يدل عليه.
الثاني: أن تكون العبادة بمعنى الجحود والإنكار كما مر وتكون جملة