وذكر المصنف مثالين للمفعول له، ليبين أنه قد لا يتقدم وجودا على ما جعل علة له، كما في: ضربته تأديبا، وقد يتقدم وجوده عليه كما في: قعدت جبنا، فالمفعول له هو الحامل على الفعل، سواء تقدم وجوده على وجود الفعل، كما في: قعدت جبنا، أو تأخر عنه، كما في: جئتك إصلاحا لحالك، وذلك لان الغرض المتأخر وجوده، يكون علة غائية حاملة على الفعل، وهي إحدى العلل الأربع، كما هو مذكور في مظانه، فهي متقدمة من حيث التصور، وإن كانت متأخرة من حيث الوجود.
فالمفعول له هو العلة الحاملة لعامله، وليس بمعلول له كما ظن بعضهم نظرا إلى ظاهر نحو قولهم: ضربته تأديبا وأن الضرب علة للتأديب.
وإنما قلنا ذلك، لأنه لا يطرد في نحو: قعدت جبنا، وجعل المفعول له علة لمضمون عامله يطرد، لان التأديب علة حاملة على الضرب، ولفظ " المفعول له " يؤذن بكونه علة، لان اللام في قوله " له " للتعليل، وهي تدخل على العلة لا على المعلل، نحو فعلت هذا لهذه العلة.
قوله: " خلافا للزجاج "، مذهبه أن ما يسميه النحاة مفعولا له، هو المفعول المطلق لبيان النوع، وذلك لما رأى من كون مضمون عامل المفعول له، تفصيلا وبيانا له، كما في:
ضربته تأديبا، فان معناه: أدبته بالضرب، والتأديب مجمل، والضرب بيان له، فكأنك قلت أدبته بالضرب تأديبا، ويصح أن يقال: الضرب هو التأديب، فصار مثل: ضربت ضربا، في كون مضمون العامل هو المعمول.
ولا يطرد له هذا جميع أنواع المفعول له، فان القعود ليس بيانا للجبن، ولا يقال:
قعوده جبن إلا مجازا، وكذا قولك، جئتك اصلاحا لحالك، بالاعطاء أو النصح أو نحوه، فان المجئ ليس بيانا للاصلاح، بل بيانه الا عطاء أو النصح، كما صرحت به.
ولعله يقدر في مثله: قعود جبن ومجئ اصلاح على حذف المضاف وهو تكلف.
قال المصنف ردا على الزجاج: معنى ضربته تأديبا: ضربته للتأديب اتفاقا، وقولك:
للتأديب، ليس بمفعول مطلق، فكذا " تأدييبا " الذي بمعناه.