شرح الرضي على الكافية - رضي الدين الأستراباذي - ج ١ - الصفحة ٣٢٥
واعلم أن المؤكد لغيره في الحقيقة مؤكد لنفسه، وإلا فليس بمؤكد، لان معنى التأكيد تقوية الثابت بان تكرره، وإذا لم يكن الشئ ثابتا فكيف يقوى؟ وإذا كان ثابتا فمكرره إنما يؤكد نفسه.
وبيان كونه مؤكدا لنفسه أن جميع الأمثلة الموردة للمؤكد لغيره، إما صريح القول أو ما هو في معنى القول، قال تعالى: " ذلك عيسى بن مريم قول الحق " (1)، وقولهم:
هذا القول لا قولك، أي هذا هو القول الحق لا أقول مثل قولك، إنه باطل، وهذا زيد غير ما تقول، " ما " فيه مصدرية، أي قولا غير قولك، ومعنى هذا زيد كمعنى قوله:
أنا أبو النجم وشعري شعري (2) - 70 أي هذا هو ذلك المشهور الممدوح، لا كما تقول في حقه من ضد ذلك، وقولك:
هذا زيد حقا أي قولا حقا، وكذا: هذا عبد الله حقا، والحق لا الباطل، وكذا قول أبي طالب:
90 - إذن لاتبعناه على خير حالة * من الدهر جدا غير قول التهازل (3) أي قولا جدا، وكذا قولك: لا فعلته البتة، أي قطعت بالفعل وجزمت به قطعة واحدة، والمعنى: أنه ليس فيه تردد بحيث أجزم به ثم يبدو لي ثم أجزم به مرة أخرى، فيكون قطعتان أو أكثر بل هو قطعة واحدة لا يثنى فيها النظر، وكذا قولهم: افعله البتة، أي جزمت بان تفعله وقطعت به قطعة، فالبتة بمعنى القول المقطوع به، وكان اللام فيها في الأصل للعهد أي القطعة المعلومة التي لا تردد فيها (4).

(1) الآية 34 من سورة مريم.
(2) تقدم هذا الشاهد في ص 255 من هذا الجزء.
(3) الضمير في قوله: لاتبعناه راجع إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام والبيت من قصيدة منسوبة في سيرة ابن هشام لأبي طالب بن عبد المطلب عم النبي. وقد أوردها البغدادي وشرحها وهي تتضمن دفاعا عن النبي وذما في أعدائه الذين آذوه، وفيها يقول:
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا * ولما نطاعن دونه ونقاتل نبزى محمدا أي نغلب عليه ويؤخذ منا. وبيت الشاهد جواب قسم في قوله في بيت قبله:
فوالله لولا أن أجئ بسبة * تجر على أشياخنا في المحافل (4) وقالوا ان همزتها لم تسمع إلا بالقطع والقياس وصلها. ولا شك أنه أولى في الاستعمال.
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»
الفهرست