فلو قلت، مع قولهم: النوم ينقص الطهارة: إن النوم مع الجلوس لا ينقضها، لكان مناقضا لظاهر ذلك اللفظ، وإذا قامت قرينة الخصوص فهو للخصوص، نحو:
اشتر اللحم، واشرب الماء، لان شراء الجميع وشرب الجميع ممتنعان.
فإذا تقرر هذا، قلنا إن الجنس الذي هو مصدر غير مقيد عند البصرية بحال تخصصه، بل الحال عندهم قيد في الخبر فيبقى الجنس على العموم، فيكون المعنى:
كل ضرب مني واقع على زيد حاصل في حال القيام، وهذا المعنى مطابق للمعنى المتفق عليه، أعني ما أضرب زيدا إلا قائما.
وأما عند الكوفية فالجنس عندهم مقيد بالحال المخصص له فيكون المعنى: ضربي زيدا المختص بحال القيام حاصل، وهو غير مطابق للمعني المتفق عليه لأنه لا يمتنع من حصول الضرب المقيد بالقيام، حصول الضرب المقيد بالقعود، أيضا، في وقت آخر، فليس في تقديرهم، إذن، معنى الحصر المراد المتفق عليه، وبهذا يبطل مذهب ابن درستويه أيضا، لأنه لا حصر في قولك: أضرب زيدا قائما.
وما يفسد مذهب الكوفية خاصة، زيادة على ما تقدم، من جهة اللفظ، أنه ليس في تقديرهم ما يسد مسد الخبر، لان مقام الخبر، عندهم، بعد الحال، وليس بعدها لفظ واقع موقع الخبر، وقد تقدم أن الخبر لا يحذف وجوبا إلا إذا سد مسدة لفظ، وكذا نقول في قولهم: أكثر شربي السويق ملتوتا، إن معناه أن شربي له ملتوتا أكثر من شربه غير ملتوت، فلو قدرناه على مذهب الكوفية، أكثر شربي السويق ملتوتا حاصل، لم يحصل هذا المعنى المتفق عليه، إذ يجوز أن تقول هذا اللفظ وتريد، إذن، من شربه ملتوتا عشر مرات وغير ملتوت ألف مرة، وتريد بأكثر شربي السويق ملتوتا تسع مرات مثلا، فإنه أكثر شربه ملتوتا (1).