أخرى، وهو لا يأذن له بالقعود.
ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة ويقبل على الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي تقول فيه ما تقول ويردد القول، والفتح مقبل عليه يسكنه، ويقول: مكذوب عليه يا أمير المؤمنين، وهو يتلظى ويشطط ويقول: والله لأقتلن هذا المرائي الزنديق وهو الذي يدعي الكذب، ويطعن في دولتي ثم قال: جئني بأربعة من الخزر جلاف لا يفهمون، فجيء بهم ودفع إليهم أربعة أسياف، وأمرهم [أن] يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن، وأن يقبلوا عليه بأسيافهم (فيخبطوه ويعلقوه) وهو يقول: والله لأحرقنه بعد القتل وأنا منتصب قائم خلف المعتز من وراء الستر.
فما علمت إلا بأبي الحسن قد دخل، وقد بادر الناس قدامه، وقالوا: [قد] جاء والتفت، ورأى فإذا أنا به وشفتاه تتحركان، وهو غير مكترث ولا جازع، فلما بصر به المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه، وهو يسبقه فانكب عليه يقبل بين عينيه ويديه وسيفه بيده وهو يقول: يا سيدي يا ابن رسول الله يا خير خلق الله يا ابن عمى يا مولاي يا أبا الحسن! وأبو الحسن (عليه السلام) يقول: أعيذك يا أمير المؤمنين بالله [أعفني] من هذا. فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ قال: جاءني رسولك فقال: المتوكل [يدعوك. فقال:] كذب ابن الفاعلة، إرجع يا سيدي من حيث جئت، يا فتح! يا عبيد الله! يا معتز شيعوا سيدكم وسيدي.
فلما بصر به الخزر خروا سجدا مذعنين، فلما خرج دعاهم المتوكل (ثم أمر الترجمان أن يخبره) بما يقولون، ثم قال لهم: لم لم تفعلوا ما أمرتم؟
قالوا: شدة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم، فمنعنا ذلك عما أمرت به، وامتلأت قلوبنا من ذلك [رعبا]. (1)