غائبا بالسنح، وهو منزل بعيد عن المدينة - فلما اجتمع بأبي بكر قوي به جأشه، واشتد به أزره، وعظم طاعة الناس له وميلهم إليه، فسكت حينئذ عن تلك الدعوى التي كان ادعاها " (1).
نظرا إلى القرائن التاريخية، ومواقف هذين الرجلين، وسكوت عمر المطلق بعد وصول أبي بكر وكان قد أثار ما أثار من الضجيج واللغط، كل أولئك لا يدع مجالا للشك في أن موقف عمر كان تحركا سياسيا للتمهيد من أجل الشيء الذي امتنع بسببه من الذهاب مع جيش أسامة، مخالفا لنص نبوي صريح وأمر رسالي أكيد. وكان النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه يتحدث عن نهاية حياته، وأبلغ الجميع بذلك. وكان عمر قبل هذا الوقت وحين منع من كتابة الوصية يردد شعار " حسبنا كتاب الله "، أي: إن كلمة " حسبنا... " تتحقق بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) ويمكن القول مبدئيا إن نص القرآن الكريم على وفاته وعدم خلوده (صلى الله عليه وآله) يدل على أن نفي وفاته لم يكن عقيدة راسخة يتبناها المؤمنون قط، وأوضح من ذلك كله كلام عمر نفسه عندما نصب أبا بكر في الخلافة وأجلسه على عرشها، فقد صرح بخطأ مقاله ووهنه قائلا:
" أما بعد، فإني قلت لكم أمس مقالة لم تكن كما قلت. وإني والله ما وجدتها في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله (صلى الله عليه وآله) - فقال كلمة يريد - حتى يكون آخرنا، فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم، فخذوا به تهتدوا لما هدى له رسول الله " (2).
إن هذا كله يدل على أنه كان يمهد الأرضية للقبض على السلطة، ويهيئ