الأمراء وأنتم الوزراء، لا تفتاتون بمشورة ولا نقضي دونكم الأمور.
فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال: يا معشر الأنصار! أملكوا عليكم أمركم؛ فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز والثروة، وأولو العدد والمنعة والتجربة [و] (1) ذوو البأس والنجدة، وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم، وينتقض عليكم أمركم، فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم، فمنا أمير ومنهم أمير.
فقال عمر: هيهات لا يجتمع اثنان في قرن! والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين. من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته - ونحن أولياؤه وعشيرته - إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، ومتورط في هلكة....
فقال أبو بكر: هذا عمر وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا. فقالا: لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك؛ فإنك أفضل المهاجرين، وثاني اثنين إذ هما في الغار، وخليفة رسول الله على الصلاة، والصلاة أفضل دين المسلمين، فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك، أبسط يدك نبايعك.
فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر:
يا بشير بن سعد! عقتك عقاق، ما أحوجك إلى ما صنعت، أنفست على ابن عمك الإمارة؟! فقال: لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله لهم.