والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوه منكم، وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أثخن الله عزوجل لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين، استبدوا بهذا الأمر؛ فإنه لكم دون الناس.
فأجابوه بأجمعهم: أن قد وفقت في الرأي، وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت، ونوليك هذا الأمر؛ فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضى.
ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم، فقالوا: فإن أبت مهاجرة قريش، فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون، ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعده؟ فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذا: منا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا الأمر أبدا. فقال سعد بن عبادة حين سمعها: هذا أول الوهن!
وأتى عمر الخبر، فأقبل إلى منزل النبي (صلى الله عليه وآله)، فأرسل إلى أبي بكر، وأبو بكر في الدار وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) دائب في جهاز رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأرسل إلى أبي بكر أن اخرج إلي، فأرسل إليه: إني مشتغل، فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لابد لك من حضوره، فخرج إليه فقال: أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة يريدون أن يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة، وأحسنهم مقالة من يقول: منا أمير ومن قريش أمير؟
فمضيا مسرعين نحوهم، فلقيا أبا عبيدة بن الجراح، فتماشوا إليهم ثلاثتهم، فلقيهم عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة، فقالا لهم: ارجعوا؛ فإنه لا يكون ما تريدون، فقالوا: لا نفعل. فجاؤوا وهم مجتمعون.