فقال عمر بن الخطاب: أتيناهم - وقد كنت زورت كلاما أردت أن أقوم به فيهم - فلما أن دفعت إليهم ذهبت لأبتدئ المنطق، فقال لي أبو بكر: رويدا حتى أتكلم، ثم انطق بعد بما أحببت. فنطق، فقال عمر: فما شيء كنت أردت أن أقوله إلا وقد أتى به أو زاد عليه.
فقال عبد الله بن عبد الرحمن: فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله بعث محمدا رسولا إلى خلقه، وشهيدا على أمته؛ ليعبدوا الله ويوحدوه، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى، ويزعمون أنها لهم عنده شافعة، ولهم نافعة، وإنما هي من حجر منحوت، وخشب منجور، ثم قرأ: ﴿ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعؤنا عند الله﴾ (١) وقالوا: ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونآ إلى الله زلفى﴾ (2) فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والإيمان به والمؤاساة له، والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم إياهم، وكل الناس لهم مخالف زار عليهم، فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف (3) الناس لهم، وإجماع قومهم عليهم، فهم أول من عبد الله في الأرض، وآمن بالله وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم.
وأنتم يا معشر الأنصار! من لا ينكر فضلهم في الدين، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصارا لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلة أزواجه وأصحابه، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم، فنحن