غلبة من أبيك، ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل، فنادى مناديه: لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح (1).
581 - ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، في صفة علي (عليه السلام):
وأما الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن ذنب، وأصفحهم عن مسئ.
وقد ظهر صحة ما قلناه يوم الجمل، حيث ظفر بمروان بن الحكم - وكان أعدى الناس له، وأشدهم بغضا - فصفح عنه.
وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة فقال: قد أتاكم الوغد اللئيم علي بن أبي طالب. وكان علي (عليه السلام) يقول: ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى شب عبد الله. فظفر به يوم الجمل، فأخذه أسيرا، فصفح عنه، وقال: اذهب فلا أرينك، لم يزده على ذلك.
وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة - وكان له عدوا - فأعرض عنه، ولم يقل له شيئا.
وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره، فلما ظفر بها أكرمها، وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم وقلدهن بالسيوف، فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به، وتأففت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي. فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن، وقلن لها: إنما نحن نسوة.
وحاربه أهل البصرة، وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف، وشتموه ولعنوه، فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم، ونادى مناديه في أقطار العسكر:
ألا لا يتبع مول، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل مستأسر، ومن ألقى سلاحه فهو