عنها، وأهل الظاهر يحملونها على الخطرات العارضة للقلب، والطلبات الواردة الشاغلة له بهذه الغشية الملابسة.
وقال القاضي: هو ما يستغشي القلب، ولا يغطيه كل التغطية، كالغيم الرقيق لذي لا يمنع ضوء الشمس، ثم لا يفهم من الحديث أنه يغان على قلبه مائة مرة، وإنما هذا عدد الاستغفار لا الغين، فيكون المراد بهذا الغين الإشارة إلى غفلات قلبه، وفترات نفسه، وسهوها عن مداومة الذكر، ومشاهدة الحق، لما كان صلى الله عليه وسلم من مقامات البشر، وسياسة الأمة، ومعاناة الأهل، ومقاومة الولي والعدو، ومصلحة النفس، وأعباء الرسالة، وحمل الأمانة، وهو في هذا كله في طاعة ربه، وعبادة خالقه، ولكن لما كان صلى الله عليه وسلم أرفع الخلق عند الله تعالى مكانة، وأعلاهم درجة، وأتمهم به معرفة، وكانت حالة عند خلوص قلبه، وخلو همه، وتفرده بربه أرفع حاليه، رأى حاله فترته عنها، وشغله بسواها، غمضا من علي حاله، ورفيع مقامه، فاستغفر من ذلك.
وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي: لا تعتقد أن الغين حالة نقص، بل هو حالة كمال، ثم مثل بجفن العين حين يسيل الدمع القذي عن العين مثلا، فإنه يمنع العين عن الرؤية، فهو من هذه الحيثية نقص، وفي الحقيقة هو كمال، هذا محصل كلامه بعبارة طويلة، قال:
فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للأغبرة الثائرة من أنفاس الأخيار، فدعت الحاجة إلى ستر حدقة بصيرته، صيانة لها، ووقاية عن ذلك، وقيل: هو حالة الخشية، وإعظام، الاستغفار شكرها، ومن ثم قال المحاسبي: خوف المقربين خوف إجلال وإعظام، وقيل: هو السكينة التي تغشي قلبه، والاستغفار لإظهار العبودية والشكر لما أولاه.
وذكر ابن عطاء الله في كتاب لطائف المنن: أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي (1) قدس الله سره قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن حديث: إنه ليغان على قلبي، فقال: (يا مبارك ذلك غين الأنوار).
الثالث: في بيان غريب ما سبق:
الاستغفار: استدعاء المغفرة، وطلبها من الشفاعة، وإعداد الأسباب المقربة إلى الطاعة.
المقدم: بميم مضمومة، فقاف مفتوحة، فدال مهملة مكسورة، فميم: الذي يقدم الأشياء، ويضعها في مواضعها: ضد المؤخر، فمن استحق التقديم قدمه.
المؤخر: بميم مضمومة، فهمزة مفتوحة، فخاء معجمة مكسورة، فراء: الذي يؤخر