مشرفا عليها، وجملة حاله يشرف على نهايتها أحد من الخلق، ونقل الإمام الرافعي رحمه الله تعالى في أماليه عن سيدنا الصديق رضي الله تعالى عنه، أنه مع علو مرتبته تمنى أن يشرف عليها، فقال: ليتني شهدت ما استغفر منه صلى الله عليه وسلم انتهى، وتكلم في معناه آخرون بحسب ما انتهى إليه فهمهم، ولهم منهجان: أحدهما حمل الغين على حالة جميلة، ومرتبة عالية اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد من استغفاره: خضوعه، وإظهار حاجته إلى ربه، وملازمته للعبودية، قال أبو سعيد الخراز (1) فيما نقله عنه الإمام الرافعي: الغين شئ لا يجده إلا الأنبياء وأكابر الأبرار والأولياء، لصفاء أسرارهم، وهو كالغيم الرقيق الذي لا يدوم.
قال الرافعي (2): وحمله على عارض غيره أكمل منه، فيبادر إلى الاستغفار، وعلى هذا كثرت التنزيلات والتأويلات، فقيل كان سبب الغين النظر في حال الأمة، واطلاعه على ما يكون منهم، فكان يستغفر لهم. وقيل: سببه ما يحتاج إليه من التبليغ، ومشاهدة الخلق، فيستغفر منه ليصل إلى صفاء وقته مع الله تعالى. وقيل: ما كان يشغله من تمادي قريش وطغيانهم. وقيل: ما كان يجده من محبة إسلام أبي طالب. وقيل: لم يزل صلى الله عليه وسلم مترقيا من رتبة إلى رتبة، فكلما رقي درجة التفت إلى ما خلفها، وجد منها وحشة لقصورها بالإضافة إلى التي انتهى إليها، وذلك هو الغين، فيستغفر منه، قال: وهذا ما كان يستحسنه والدي رحمه الله تعالى ويقرره.
ومن هؤلاء من نزل الغين على السكينة والاطمئنان، قال البيهقي في الشعب: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت الأستاذ أبا سهل محمد بن سهل: يعني الصعلوكي (3) أحد أئمة الشافعية يقول: في قوله: ليغان على قلبي وأيد أن أحدهما يختص به أهل الإشارة، وهو حملهم إياه على غشية السكرة التي هي الصحو في الحقيقة، ومعنى الاستغفار على التجسر للكشف