الباب العاشر في كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم وروى عن الشيخين والإمام أحمد وابنه عبد الله رضي الله تعالى عنها قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لا) (1)، ولله در الفرزدق حيث قال:
ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاؤه نعم وروى الخرائطي، والطبراني عن علي رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن شئ فأراد أن يفعله قال: (نعم) وإن أراد ألا يفعله سكت، وكان لا يقول لشئ لا (2).
وروى أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي في دلائله عن محمد بن السري العسقلاني [قال]: كنت أنا ورجل من أهل عسقلان نطلب المشايخ نقرأ عليهم القرآن فرأيت كأني وصاحبي اختلفنا في آية (والعنهم لعنا كبيرا) [الأحزاب 68] وقال صاحبي: كثيرا، فلقيت آدم بن أبي إياس فقلنا: نسألك، فقال: وهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فقلت: يا رسول الله ادع لي، فسكت، فقلت: يا رسول الله، ما لك لا تدعو لي؟
فوالله لقد حدثني سفيان بن عيينة عن محمد بن المنذر عن جابر أنك ما سئلت عن شئ قط فقلت: لا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا لي، فقلت: يا رسول الله: (ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) [الأحزاب 68] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كبيرا كبيرا كبيرا).
وروى الإمام أحمد، ومسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: ما سئل رسول الله شيئا إلا أعطاه ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى أهله فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، وإن كان الرجل ليجئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يريد بذلك إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه من الدنيا وما بينها (3)، ويرحم الله تعالى أبا عبد الله محمد المعروف بابن جابر حيث قال:
هذا الذي لا يخش فقرا إذا * يعطي ولو كثر الأنام وداموا هذا من الأنعام أعطى أملا * فتحيرت لعطائه الأفهام وأعطاه صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنه عليه الصلاة والسلام علم أن داءه لا يزول إلا بهذا الدواء، وهو الإحسان، فعالجه به حتى برأ من داء الكفر، وهذا من كمال شفقته، ورحمته ورأفته صلى الله عليه وسلم، أي