بسم الله الرحمن الرحيم جماع أبواب صفاته المعنوية صلى الله عليه وسلم الباب الأول في وفور عقله صلى الله عليه وسلم قال وهب بن منبه رحمه الله تعالى: قرأت في واحد وسبعين كتابا، فوجدت في جميعها: (أن الله تبارك وتعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل محمد صلى الله عليه وسلم إلا حبة رمل من بين جميع رمال الدنيا، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلا). رواه الحكيم الترمذي وأبو نعيم، وابن عساكر رحمهم الله تعالى.
وروى داود بن المحبر (1) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رفعه: (أفضل الناس أعقل الناس)، قال ابن عباس: وذلك نبيك صلى الله عليه وسلم.
ونقل عن العوارف عن بعض الأكابر قال: اللب، والعقل مائة جزء: تسعة وتسعون في النبي صلى الله عليه وسلم، وجزء في سائر الناس.
قال القاضي رحمه الله تعالى: ومن تأمل تدبيره صلى الله عليه وسلم أمر بواطن الخلق، وظواهرهم، وسياسة الخاصة والعامة، مع عجيب شمائله، وبديع سيره، فضلا عما أفاضه من العلم، وقرره من الشرع، دون تعلم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول وهلة. ومما يتفرع عن العقل ثقوب الرأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب، ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة، والتدبير، واقتفاء الفضائل، واجتناب الرذائل، وقد بلغ صلى الله عليه وسلم من ذلك الغاية التي لم يبلغها بشر سواه صلى الله عليه وسلم.
ومن تأمل حسن تدبيره للعرب الذين كالوحش الشارد، والطبع المتنافر المتباعد، كيف ساسهم؟ واحتمل جفاهم، وصبر على أذاهم، إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه، وقاتلوا دونه أهليهم: آباءهم، وأبناءهم، واختاروه على أنفسهم، وهجروا في رضاه أوطانهم، وأحبابهم، من غير ممارسة سبقت له، ولا مطالعة كتب يتعلم منها سنن الماضين، فتحقق أنه صلى الله عليه وسلم أعقل الناس، ولما كان عقله صلى الله عليه وسلم أوسع العقول لا جرم اتسعت أخلاق نفسه الكريمة اتساعا لا يضيق عن شئ.