الباب السابع عشر في قناعته باليسير وسؤاله ربه تبارك وتعالى أن يجعل رزقه قوتا، ورغبته أن يكون مسكينا وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) (1).
وروى بقي بن مخلد في مسنده عن يونس بن أبي يعقوب عن أبيه عن ابن عمر أن عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه دخل عليه وهو على مائدته، فأوسع له عن صدر المجلس فقال: باسم الله، ثم ضرب بيده، ولقم لقمة ثم ثنى بأخرى، ثم قال: إني لأجد طعم دسم، ما هو بدسم اللحم، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه فوجدته غاليا، فاشتريت من المهزول بدرهم، وإني عملت عليه بدرهم سمنا، فقال عمر: ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا أكل أحدهما، وتصدق بالآخر، فقال عبد الله يا أمير المؤمنين: فلن يجتمعا عندي إلا فعلت ذلك، قال: ما كنت بالذي تفعل.
وروى ابن الجوزي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء لغذاء، ولا غذاء لعشاء، ولا يتخذ من شئ زوجين، لا قميصين، ولا رداءين، ولا إزارين، ولا من النعال، ولا رئي فارغا قط في بيته، إما يخصف نعلا لرجل مسكين أو يخيط ثوبا لأرملة (2).
وروى ابن المبارك في الزهد عن الأوزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أبالي ما رددت به عن الجوع) (3).
وروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على أم هانئ بنت أبي طالب، وكان جائعا فذكر الحديث، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل عندك طعام آكل) فقالت: إن عندي لكسرة يابسة، وإني أستحي أن أقدمها، قال: (هلميها فكسرها في ماء)، فجاءته بملح، فقال: (ما من أدم؟) فقالت: ما عندي يا رسول الله إلا شئ من خل، فقال: (هلميه)، فلما جاءت صبه على طعامه، وأكل، ثم حمد الله تعالى، ثم قال:
(نعم الأدم الخل يا أم هانئ لا يفتقر بيت فيه خل) (4).