فالأحمق مقصوده صحيح، ولكن سلوكه للطريق فاسد، فلا يكون له رؤية صحيحة في طريق الوصول إلى الغرض، ويختار ما لا ينبغي أن يختار، وهذا واجب الاجتناب.
بخلاف صاحب العقل الصحيح، فإنه يثمر حسن النظر وجودة التدبير وثقافة الرأي وإصابة الظن، والتفطن لدقائق الأدلة والأعمال وخفايا النفس الأمارة وغرور الشيطان.
ومنها: أن يذكر الأدلة التي هي رجاء وتوسعة على النفوس، ويسكت عن آيات الخوف والرهبة وكذا الأخبار والآثار، لأنه بذلك يحل من القلوب الزواجر، ويسهل ارتكاب المعاصي، لا سيما إذا علم منه ارتكاب شئ ولو كان مكروها، فإنه يوقع الناس في ورطة عظيمة.
قال: (إذا عبث العلماء بالمكروه عبث العوام بالحرام، وإذا عبث العلماء بالحرام كفر العوام)، معناه: أنهم يعتقدون حله لارتكاب العلماء ذلك، لأنهم القادة وعليهم المعول في التحليل والتحريم.
ومنها: أن يتعرض لآيات المتشابه وكذلك الأخبار، ويجمعها ويسردها ويكرر الآية والخبر مرارا، لأنه يوقع العامي فيما اعتاده وألفه، فيجري صفات الخالق سبحانه وتعالى على ما ألفه وجرى عليه طبعه، ويزينه الشيطان له بغروره، لا سيما إن كان الواعظ ممن يظهر زهدا وورعا وشفقة على الناس، فكم من شخص حسن الظاهر خبيث الباطن، جميل الظاهر قبيح السرائر والضمائر.
والسلف رضي الله عنهم لهم اعتناء بشدة مجانبة هذا والتباعد عنه.
ومنها: أن يكون متهما بالرفض وبسب الصحابة رضي الله عنهم.
وهؤلاء نبه مالك رضي الله عنه على أنهم من سلالة المنافقين، وأوضح ذلك نور الله تعالى قلبه، فقال: أرادوا أن يقدحوا في النبي صلى الله عليه وسلم بشئ فلم يجدوا مساغا،