وجل ربنا أن يشرف عليه مخلوق، احتجب عن خلقه بخلقه، ثم عرفهم صنعه بصنعه، وساقهم إلى أمره بأمره، فلا يمكن الأوهام أن تناله، ولا العقول أن تختاله (1)، ولا الأبصار أن تمثله، ولا الأسماع أن تشتمله (2)، ولا الأماني أن تمتنحه.
هو الذي لا قبل له، ولا مفر (3) عنه ولا معدل، ولا غاية وراءه ولا مثل. ليس له أمد ولا نهاية ولا غاية ولا ميقات ولا انقضاء، ولا يستره حجاب، ولا يقله مكان ولا يحويه هواء، ولا يحتاطه (4) فضاء، ولا يتضمنه خلاء {ليس كمثله شئ وهو السميع البصير}.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: معنى الآية ليس له نظير.
وقيل: الكاف صلة، أعني زائدة، فالمعنى: ليس مثله شئ.
وقيل: المثل صلة، فالمعنى ليس كهو شئ، فأدخل المثل للتأكيد.
فمن الجهل البين أن يطلب العبد درك ما لا يدرك، وأن يتصور ما لا يتصور.
كيف؟
وقد نزه نفسه بنفسه عن أن يدرك بالحواس، أو يتصور بالعقل الحادث والقياس، فلا يدركه العقل الصحيح من جهة التمثيل، ويدركه من جهة الدليل.
فكل ما يتوهمه العقل فهو جسم، وله (5) نهاية في جسمه وجنسه ونوعه وحركته وسكونه، مع ما يلزمه من الحدود والمساحة، ومن الطول والعرض، وغير ذلك من صفات الحدث، تعالى الله عن ذلك.