وأما البدن فيطهره بماء الجوع، ويكفنه بدوام التقشف، ويحنطه بالعزلة، ويطيبه بدوام الذكر والفكر، ويدفنه في لحد الخوف، فإذا قدسه بذلك ذهب مغناه، وبقي معناه.
فإذا اجتمعت له هذه التقديسات ذهبت أوصافه القواطع والموانع، ولاح له خزائن أسرار الآيات في معارج ترداد الآيات، فأثمر له ذلك كشف أسرار الملكوتيات، فيثمر له ذلك الشوق إلى رؤية مطلوبه، فلا شئ أشهى إليه من الموت، لأنه لا سبيل إلى الوصول إلى محبوبه إلا به، فمن أراد أن يجلسه في حضرة القدس على منابر التقديس، فليجر على هذا التأسيس.
ومر إبراهيم بن أدهم - قدس الله روحه - بسكران مطروح على قارعة الطريق وقد تقيأ، فنظر إليه وقال: بأي لسان أصابته هذه الآفة، وطهر فمه ومضى.
فلما أفاق السكران أخبر بما فعله به إبراهيم، فخجل وتاب، وحسنت توبته.
فرأى إبراهيم فيما يرى النائم كأن قائلا يقول: غسلت لأجلنا فمه، فلا جرم أنا طهرنا لأجلك قلبه.
وأما المشبه والمجسم فلأنه بتكرار هذا الاسم يتعقل معناه، فيضئ له نوره، فينكشف له حجاب الضلال، فإذا حقق المعنى المراد منه ظهر له نوره، فأحرق حجاب الضلال، فصفا قلبه للحق وزاح الباطل.
وقد وقع ذلك لبعض الغلاة في التشبيه والتجسيم، مر يوما على هذه الآية {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس}، فكرر هذا الاسم وتعقل معناه، فقال:
والله أنا لفي ضلال مبين بين.
فبادر في الحال، وأتى بالشهادتين، وقال: والله لا يخلصني إلا استئناف العمل.
فانظر - أرشدك الله تعالى - إلى بركة تكرير هذا الاسم العظيم في حق أهل التنزيه والتشبيه، والله أعلم.