فكل ما ترى عينك الباصرة فهو دلائل ظاهرة على (1) أن العالم مخلوق بتقدير شامل، وتدبير كامل، وحكمة بالغة غير متناهية.
ولو جمعت عقول العقلاء عقلا واحدا، ثم تفكروا بذلك العقل في جناح بعوضة، حتى يجدوا تركيبا أحسن منه وأكمل، لفنيت تلك العقول، وانقطعت تلك الأفكار، ولم تصل إلى درك ذرة من ذرات حكمته في تلك البعوضة على سبيل الكمال والتمام.
فما الظن بذي الجلال؟! تبا ثم تبا لأهل الضلال والجهل، وما اعتقدوه من النقص، مع تنزيه البحار وشوامخ الجبال.
فسبحان من تسبحه البحار الصوافح والجبال الشم والسحب السوائح، والأمطار الطوامح، والأفكار والقرائح، تقدس عن مثل وشبيه، وتنزه عن نقص يعتريه.
يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور من سر أضمرته الجوانح، تعالى عن الند المماثل والضد الكادح.
يفعل ما يشاء، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
هلك الجاهل والمكافح.
متكلم بكلام (2) مسموع بالأذان (3) بغير آلات ولا أدوات ولا جوارح، وأين لهوات الحصى وحلقوم الجذع وجارحتهما؟!
فما أجهلك بقوله تعالى: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة} نسب الأبصار إلى الآيات.