فظاهرة العذر وأنه أخذ فيها بالتأويل وظاهر اللفظ لقوله تعالى وأهلك، فطلب مقتضى هذا اللفظ وأراد علم ما طوى عنه من ذلك لا أنه شك في وعد الله فبين الله عليه أنه ليس من أهله الذين وعده بنجاتهم لكفره وعمله الذي هو غير صالح وقد أعلمه أنه مغرق الذين ظلموا ونهاه عن مخاطبته فيهم فووخذ بهذا التأويل وعتب عليه وأشفق هو من إقدامه على ربه لسؤاله ما لم يؤذن له في السؤال فيه وكان نوح فيما حكاه النقاش لا يعلم بكفر ابنه وقيل في الآية غير هذا وكل هذا لا يقضى على نوح بمعصية سوى ما ذكرناه من تأويله وإقدامه بالسؤال فيمن لم يؤذن له فيه ولا نهى عنه، وما روى في الصحيح من أن نبيا قرصته نملة فحرق قرية النمل فأوحى الله إليه: (أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح) فليس في هذا الحديث أن هذا الذي أتى معصية بل فعل ما رآه مصلحة وصوابا
بقتل من يؤذى جنسه ويمنع المنفعة بما أباح الله، ألا ترى أن هذا النبي كان نازلا تحت الشجرة فلما آذته النملة تحول برحله عنها مخافة تكرار الأذى عليه وليس فيما أوحى الله إليه ما يوجب عليه معصية بل ندبه إلى احتمال
الصبر وترك التشفي كما قال تعالى: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) إذ ظاهر فعله إنما كان لأجل أنها آذته هو في خاصته فكان انتقاما لنفسه وقطع مضرة يتوقعها من بقية النمل هناك ولم يأت في كل هذا أمرا نهى عنه فيعصى به ولا نص فيها أوحى الله إليه بذلك ولا
بالتوبة والاستغفار منه والله أعلم
____________________
(قوله أن نبيا قرصته نملة) قال الزكي المنذري إنه موسى وإن قيل جاء من غير وجه إنه عزير، ونقل المحب الطبري عن الحكيم الترمذي أنه موسى.