وأما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فإن الهم إذا وظنت عليه النفس سيئة وأما ما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه وهذا هو الحق فيكون إن شاء الله هم يوسف من هذا ويكون قوله (وما أبرى نفسي) الآية أي ما أبرئها من هذا الهم أو يكون ذلك منه على طرق
التواضع والاعتراف بمخالفة النفس لما زكى قبل وبرى فكيف وقد حكى أبو حاتم عن أبي عبيدة أن يوسف لم يهم وأن الكلام فيه تقديم وتأخير أي ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها وقد قال الله تبارك وتعالى عن المرأة (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) وقال تعالى (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وقال تعالى (وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إني ربى أحسن مثواي) الآية قيل في ربى الله وقيل الملك وقيل هم بها أي بزجرها ووعظها وقيل هم بها أي غمها امتناعه عنها وقيل هم بها نظر إليها وقيل هم بضربها دفعها وقيل هذا كله كان قبل نبوته، وقد ذكر بعضهم ما زال النساء يملن إلى يوسف ميل
شهوة حتى نبأه الله فألقى عليه هيبة النبوة فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه * وأما خبر موسى صلى الله عليه وسلم مع قتيله الذي وكزه وقد نص الله تعالى أنه من عدوه وقيل كان من القبط الذين على دين فرعون ودليل السورة في هذا كله أنه قبل نبوة موسى، وقال قتادة وكزه بالعصا ولم يتعمد
قتله فعلى هذا لا معصية في ذلك، وقوله هذا من عمل الشطان وقوله ظلمت نفسي فاغفر لي
____________________
(قوله وقد حكى أبو حاتم) هو الإمام الحافظ الكبير محمد بن إدريس المنذر توفى سنة سبع وسبعين ومائتين.