رضي عنهم من ذلك الخلاف فقال تعالى (لقد رضي الله من المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) ثم قال ما دلنا به على أن فيهم من ثبت وفيهم من نكث فقال (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) فدلنا هذا القول من الله على ما وصفناه من نكث بعضهم ووفاء آخرين منهم وذلك أن الله لو علم أنهم لم ينكثوا جميعا ولا واحد منهم لما كان يقول سبحانه وتعالى (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) إذ كان لا فائدة فيه والله أحكم من أن يقول قولا لا فائدة فيه فلما قال ذلك علم أن منهم من نكث في وقته ومنهم من وفى به، ولعمري أن من وفى منهم بشروط تلك البيعة فإن الرضا له واقع ومن نكث منهم فعليه السخط وقد وجدنا من أبي بكر وعمر خاصة النكث ومن جماعة كثيرة من الرؤساء الذين بايعوا تحت الشجرة على أن لا يفروا ولا ينهزموا بل يثبتوا للموت في الحرب حتى يقتلوا أو يغلبوا كما رووا جميعا عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال بايعنا رسول الله (ص) على الموت ثم وجدناهم بعد ذلك وفي عقب تلك السنة قصدوا بلاد خيبر فدفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الراية إلى أبي بكر فانصرف بها منهزما فدفعها إلى عمر فانصرف بها منهزما وكان أول النكث منهما من بعد بيعة الرضوان ثم تكامل النكث من أكثرهم يوم خيبر بعد فتح مكة فانصرفوا كلهم وكانوا تحت الراية يومئذ اثنى عشر ألفا فلم يثبت منهم إلا ثمانون رجلا مع رسول الله " ص " تحت الراية، وإذا كانت بيعتهم تحت الشجرة المسماة ببيعة الرضوان أن لا يفروا ولا ينهزموا ثم فروا وانهزموا أفليس قد نكثوا بيعة الرضوان وخرجوا من الرضوان فدل أمرهم في ذلك على أنهم بخلاف ما يدعيه أهل الغفلة فيهم.
وأما تأويلهم في قول الله تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به) وأنهم يزعمون أنه أبو بكر فهذا من تخرصهم وزورهم وبهتانهم لأن أبا بكر أسلم