و الله لا يحكم فينا ابن الدعي * أطعنكم بالرمح حتى ينثني أضربكم بالسيف أحمي عن أبي * ضرب غلام علوي قرشي ثم حمل رضي الله عنه، فلم يزل يقاتل حتى ضج أهل الشام من يده ومن كثرة من قتل منهم، فرجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة، فقال: يا أبة! العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة من الماء سبيل. قال: فبكى الحسين ثم قال: يا بني! قاتل قليلا فما أسرع ما تلقى جدك محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فيسقيك بكأسه الأوفى! قال: فرجع علي بن الحسين إلى الحرب وهو يقول:
الحرب قد بانت لها حقائق * وظهرت من بعدها مصادق والله رب العرش لا نفارق * جموعكم أو تغمدوا البوارق ثم حمل، فلم يزل يقاتل حتى قتل (1) - رحمه الله -.
قال: فبقي الحسين فريدا وحيدا ليس معه ثان إلا ابنه علي رضي الله عنه وهو يومئذ ابن سبع سنين (2)، وله ابن آخر يقال له علي في الرضاع، فتقدم إلى باب الخيمة فقال: ناولوني ذلك الطفل حتى أودعه! فناولوه الصبي، فجعل يقبله وهو يقول: يا بني! ويل لهؤلاء القوم إذ كان غدا خصمهم جدك محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال: وإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبة الصبي قتله (3)، فنزل الحسين رضي الله عنه عن فرسه وحفر له بطرف السيف ورماه بدمه وصلى عليه ودفنه، ثم وثب قائما وهو يقول (4):
[كفر القوم وقدما رغبوا * عن ثواب الله رب الثقلين قاتلوا قدما عليا وابنه * حسن الخير كريم الأبوين