بأننا على حق وأنكم على باطل، وأن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فقال عمرو: فهل تستطيع أن تجمع بيني وبينه؟ قال أبو نوح: نعم وها هو واقف في ثلاثين رجلا من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
فأقبل عمرو بن العاص حتى وقف قريبا من أصحاب علي ومعه نفر من أصحاب معاوية (1). قال: ونظر إليهم عمار فأرسل إليهم برجل من عبد القيس يقال له عوف بن بشر، فأقبل حتى إذا كان قريبا منهم نادى بأعلى صوته: أين عمرو بن العاص؟ فقال عمرو: ها أنا فهات ما عندك! فقال: هذا عمار قد حضر، فإن شئت فتقدم إليه! قال عمرو: فسر إلينا حتى نكلمك، فقال: أنا أخاف غدراتك، قال عمرو: فما الذي جراك وأنت على هذه الحالة؟ فقال له عوف بن بشر: الله جرأني عليك وبصرني فيك وفي أصحابك، فأن شئت نابذتك وإن شئت التقيت أنت وخصماؤك، فقال له عمرو: من أنت يا أخي؟ قال: أنا عوف بن بشر الشني رجل من عبد القيس، قال عمرو: فهل لك أن أبعث لك بفارس يواقفك؟ فقال له عوف:
ما أنا بمستوحش من ذلك فابعث إلى أشقى أصحابك، فقال عمرو لأصحابه: أيكم يخرج إليه فيكلمه؟ فقال أبو الأعور: أنا إليه أسير، ثم أقبل إليه أبو الأعور حتى واقفه، فقال له عوف (2): إني لأرى رجلا لا أشك أنه من أهل النار إن كان مصرا على ما أرى، فقال له أبو الأعور: لقد أعطيت لسانا حديدا أنكبك (3) الله في نار جهنم، فقال عوف: كلا والله! إني لا أتكلم إلا بالحق، ولا أنطق إلا بالصدق، وإني أدعو إلى الهدى، وأقاتل أهل الضلال، وأفر من النار، وأنت رجل تشتري العقاب بالمغفرة والضلالة بالهدى، فانظر إلى وجوهنا ووجوهكم وسيمانا وسيماكم، واسمع إلى دعوانا ودعواكم، فليس منا أحد إلا وهو أولى بمحمد صلى الله عليه وسلم وأقرب إليه منكم، فقال أبو الأعور: أكثرت الكلام وذهب النهار، فاذهب فادع أصحابك وأدعو أصحابي، وأنا جار لك حتى تأتي موقفك هذا الذي أنت فيه، ولست أبدأك بغدر حتى تأتي أنت وأصحابك.