رضي الله عنه يومئذ رجل من حمير يكنى بأبي نوح، وكان مفوها متكلما وكان له فضل وقدر وطاعة في الناس، فقال لعلي: يا أمير المؤمنين! أتأذن لي في كلام ذي الكلاع؟ فإنه رجل من قومي وهو سيد عند أهل الشام، فلعلي أشككه فيما هو فيه!
فقال له علي: يا أبا نوح! إن رد مثل ذي الكلاع شديد عند أهل الشام، فإن أحببت لقاءه فالقه بالجميل، وإياك والكتب.
قال: فبعث أبو نوح إلى ذي الكلاع أني أريد لقاءك فأخرج إلي أكلمك، قال: فجاء ذو الكلاع إلى معاوية فقال: إن أبا نوح يريد كلامي ولست مكلمه إلا بإذنك، فما ترى في كلامه أكلمه أم لا؟ فقال معاوية: وما تريد إلى كلامه؟ فوالله ما نشك في هداك ولا في ضلالته، ولا في حقك ولا في باطله، فقال ذو الكلاع: على ذلك ائذن لي في كلامه! فقال معاوية: ذاك إليك، وفشا أمر أبي نوح (1) وذي الكلاع في الناس، فأنشأ رجل من أصحاب علي يقول:
اذكر أخا كلع أمرا سيعقبه * شكا وشيكا فبادره أبا نوح حتى نشككه في دين صاحبه * والشك منه قريب شبه تصريح أما الرجوع فإني لست آمله * إلا وبعض دماء القوم مسفوح من يحصب ورعين أو ذوي كلع * وأصبح الشمر ذي الرأي المراجيح كم ساعد قد أبان السيف مرفقها * ورأس أشوس وسط القوم مطروح قال ابن هند له قولا فأطمعه * إن المطامع باب غير مفتوح بادره من قبل أن ينشب أظافره * من ابن هند بتشبيع وتجليح وامنحه نصحك إما كنت ناصحه * ما كان نصح أبي نوح بمشروح إن خالف اليوم أهل الشام ذو كلع * لا يمس بالشام قرن غير منطوح قال: وأقبل (أبو) نوح حتى وقف بين الجمعين، وخرج ذو الكلاع حتى وقف قبالته، فقال أبو نوح: يا ذا الكلاع! إنه ليس في هذين الجمعين أحد أولى بنصيحتك مني، إن معاوية بن أبي سفيان أخطأ وأخطأتم معه في خصال كثيرة، لخطأة واحدة أنه من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، فأخطأ بادعائه إياها وأخطأتم باتباعه، وأخطأ في الطلب بدم عثمان وأخطأتم معه، لأن غيره أولى بطلب دم عثمان منه، وأخطأ أنه رمى عليا بدم عثمان وأخطأتم بتصديقكم إياه ونصركم له،