لو شاء قال له قولا يشككه * حتى يظن سحوق النخل كالشيح قال: فأقبل ذو الكلاع إلى عمرو بن العاص وإذا هو واقف يحرض الناس على القتال، فقال له: أبا عبد الله! هل لك في رجل ناصح صادق لبيب شفيق يخبرك عن عمار بن ياسر بالحق؟ فقال له عمرو: ومن هذا معك؟ فقال: هذا ابن عم لي من أهل العراق، غير أنه جاء معي بالعهد والميثاق على أنه لا يؤذى ولا يهاج حتى يرجع إلى عسكره، فقال عمرو: إنا لنرى (1) عليه سيماء أبي تراب، فقال أبو نوح:
بل سيماء محمد وأصحابه علي، وعليك سيماء جهل ابن أبي جهل وسيماء فرعون ذي الأوتاد. قال: فوثب أبو الأعور السلمي فسل سيفه ثم قال: أرى هذا الكذاب الأثيم يشاتمنا وهو بين أظهرنا وعليه سيماء أبي تراب، فقال ذو الكلاع: مهلا يا أبا الأعور! لأقسم بالله لو بسطت يدك إليه لأخطمن أنفك بالسيف، ابن عمي وجاري قد عقدت له ذمتي، وجئت به إليكم ليخبركم عما تماريتم فيه، فتسل عليه السيف!
قال: فسكت أبو الأعور وتكلم عمرو بن العاص فقال: ألست أبا نوح؟ فقال:
بلى، أنا أبو نوح، قال عمرو: فأنا أذكرك الله أبا نوح إلا صدقتنا ولم تكذبنا، أفيكم عمار بن ياسر؟ فقال أبو نوح: ما أنا بمخبرك حتى تخبرني لم تسألني عنه: فإن معنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم جاد في قتالكم، فقال عمرو: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لعمار: تقتلك الفئة الباغية (2)! وإنه ليس ينبغي لعمار بن ياسر أن يفارق الحق، ولا تأكل النار منه شيئا، فقال أبو نوح: لا إله إلا الله والله أكبر! إن عمارا معنا (3) وإنه لجاد في قتالكم، فقال، عمرو: إنه والله لجاد على قتالنا؟ فقال أبو نوح: والله! لقد حدثني يوم الجمل إننا سنظهر عليهم، فكان كما قال، ولقد حدثني بالأمس أن لو هزمتمونا (4) حتى تبلغونا إلى سعفات هجر (5) لعلمنا