أنا أسرع من معك إلى الحرب نكوبا، وأنصحهم لذلك جيوبا وأقلهم عند الحقائق تكذيبا، وزعمت أنك تولي أمر قضاعة من هو أنصح مني جيبا وأقل مني عيبا، أما والله يا معاوية! لقد نصحتك عن نفسي، وآثرت ملكك على ديني، وقتلت فيك عشيرتي، وتركت لهواك رشدي وأنا أعرفه، وحدت عن الحق وأنا أبصره، فقال معاوية: أبا المنذر! إني لم أرد بك هذا كله، ولكن أي رشد أرشد وأي حق أحق من طلبك دم الخليفة المظلوم وذبك عن الحريم؟ فقال النعمان: لا والله يا معاوية!
ما وقفت لرشادي إذ أقاتل عن ملكك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول مؤمن وأول مهاجر معه، ولو أعطيناه من أنفسنا مثل الذي أعطيناك لكان أرأف بالرعية وأجزل للعطية وأنفذ في القضية وأقسم بالسوية وأبعد من الدنية والعصبية، ولكنا بذلنا لك أمرا لا بد لنا من إتمامه غيا كان أم رشدا. قال: فسكت معاوية ولم يقل شيئا ووثب عمرو بن مرة الجهني والحارث بن نمر الجرمي وقالا (1): أقسمنا عليك أبا المنذر إلا سكت، فقد بلغت من الكلام ما أردت، قال: فسكت النعمان ونهض إلى موقفه.
قال: وإذا بكردوسين عظيمين من أصحاب علي قد خرجا (2) وكان وميض بيضها وميض الكواكب، أحد الكردوسين قبائل مذحج وفيهم الأشتر، والآخر همذان وفيهم سعيد بن قيس الهمذاني. قال: فنكى هذان الكردوسان في أهل الشام نكاية شديدة حتى كاد (3) أهل الشام يضعضعون، فأرسل معاوية إلى النعمان: لله أنت أبا المنذر! ألا ترى إلى ما صنعت بنا هذان الكردوسان في هذا اليوم؟ أنت لهم لله درك. قال: فأرسل إليه النعمان أن ادع لهذين الكردوسين من هو أفصح مني جيبا.
وأقل مني عيبا. فقال معاوية لعمرو بن مرة الجهني والحارث بن نمر الجرمي:
قوما (4) إلى ابن عمكما فاطلبا (5) إليه واسألاه (6) أن يلقى هذين الكردوسين بقومه وعشيرته وبأسه وشدته فليس لهم سواه، فقال عمرو بن مرة الجهني: والله يا معاوية!
إنك لتقصر بنا في الخلاء وتضع بنا في الملاء، وتميل علينا في الأهواء، وتدعونا لكل