كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٣ - الصفحة ٧٠
أنا أسرع من معك إلى الحرب نكوبا، وأنصحهم لذلك جيوبا وأقلهم عند الحقائق تكذيبا، وزعمت أنك تولي أمر قضاعة من هو أنصح مني جيبا وأقل مني عيبا، أما والله يا معاوية! لقد نصحتك عن نفسي، وآثرت ملكك على ديني، وقتلت فيك عشيرتي، وتركت لهواك رشدي وأنا أعرفه، وحدت عن الحق وأنا أبصره، فقال معاوية: أبا المنذر! إني لم أرد بك هذا كله، ولكن أي رشد أرشد وأي حق أحق من طلبك دم الخليفة المظلوم وذبك عن الحريم؟ فقال النعمان: لا والله يا معاوية!
ما وقفت لرشادي إذ أقاتل عن ملكك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول مؤمن وأول مهاجر معه، ولو أعطيناه من أنفسنا مثل الذي أعطيناك لكان أرأف بالرعية وأجزل للعطية وأنفذ في القضية وأقسم بالسوية وأبعد من الدنية والعصبية، ولكنا بذلنا لك أمرا لا بد لنا من إتمامه غيا كان أم رشدا. قال: فسكت معاوية ولم يقل شيئا ووثب عمرو بن مرة الجهني والحارث بن نمر الجرمي وقالا (1): أقسمنا عليك أبا المنذر إلا سكت، فقد بلغت من الكلام ما أردت، قال: فسكت النعمان ونهض إلى موقفه.
قال: وإذا بكردوسين عظيمين من أصحاب علي قد خرجا (2) وكان وميض بيضها وميض الكواكب، أحد الكردوسين قبائل مذحج وفيهم الأشتر، والآخر همذان وفيهم سعيد بن قيس الهمذاني. قال: فنكى هذان الكردوسان في أهل الشام نكاية شديدة حتى كاد (3) أهل الشام يضعضعون، فأرسل معاوية إلى النعمان: لله أنت أبا المنذر! ألا ترى إلى ما صنعت بنا هذان الكردوسان في هذا اليوم؟ أنت لهم لله درك. قال: فأرسل إليه النعمان أن ادع لهذين الكردوسين من هو أفصح مني جيبا.
وأقل مني عيبا. فقال معاوية لعمرو بن مرة الجهني والحارث بن نمر الجرمي:
قوما (4) إلى ابن عمكما فاطلبا (5) إليه واسألاه (6) أن يلقى هذين الكردوسين بقومه وعشيرته وبأسه وشدته فليس لهم سواه، فقال عمرو بن مرة الجهني: والله يا معاوية!
إنك لتقصر بنا في الخلاء وتضع بنا في الملاء، وتميل علينا في الأهواء، وتدعونا لكل

(1) بالأصل: قالوا.
(2) بالأصل: خرجوا.
(3) بالأصل: كاد.
(4) بالأصل: قوموا.
(5) بالأصل: ابن عمكم فاطلبوا.
(6) بالأصل: اسألوه.
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر وقعة الماء وهي أول وقعة صفين 5
2 ذكر الوقعة الثانية بصفين 14
3 ذكر ما جرى بعد ذلك من الكلام 51
4 حديث خالد بن المعمر السدوسي 55
5 ثم رجعنا إلى الخبر 56
6 حديث سودة بنت عمارة الهمذانية مع معاوية 59
7 ثم رجعنا إلى الخبر 61
8 حديث أم سنان المذحجية مع معاوية 65
9 ثم رجعنا إلى الخبر من صفين 68
10 ذكر ما جرى من المناظرة بين أبي نوح وذي الكلاع الحميري 71
11 ذكر ما كان بعد ذلك من القتال 81
12 حديث عدي بن حاتم الطائي مع معاوية 82
13 ثم رجعنا إلى الخبر 83
14 حديث الزرقاء بنت عدي الهمذانية مع معاوية 87
15 ثم رجعنا إلى الخبر 89
16 ثم رجعنا إلى الخبر 103
17 حديث عبد الله بن هاشم مع معاوية 124
18 ثم رجعنا إلى الخبر 126
19 ذكر مقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب 128
20 ذكر ما كان بعد ذلك من القتال 131
21 خبر عرار بن الأدهم 141
22 ذكر ما جرى من الكتب بين علي بن أبي طالب وبين معاوية وعمرو بن العاص وابن عباس لما عضهم سلاح أهل العراق 149
23 ذكر مقتل عمار بن ياسر رحمه الله 158
24 ذكر القوم الذين أنفذهم معاوية إلى علي بن أبي طالب يكلمونه في ضع الحرب 168
25 ذكر تحريض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على القتال 171
26 ذكر تحريض معاوية أصحابه على القتال 172
27 ذكر الواقعة الخميسية وهي وقعة لم يكن بصفين أشد منها وصفة ليلة الهرير 174
28 ذكر صفة ليلة الهرير 180
29 ذكر رفع المصاحف على رؤوس الرماح 181
30 ذكر امتناع القوم من القتال 182
31 ثم رجعنا إلى الخبر 188
32 ذكر ما كان بعد ذلك بينهم من المكاتبة 191