قال: فرجع عوف بن بشر إلى عمار بن ياسر ومن معه، فأخبرهم بذلك، وأقبل عمار ومعه الاجلاء (1) من أهل عسكره، وتقدم عمرو بن العاص في أجلاء عسكره، حتى اختلفت أعناق الخيل فنزلوا هؤلاء وهؤلاء عن خيولهم واحتبوا بحمائل سيوفهم، وذهب عمرو الشديد (2) فقال عمار: اسكت وقد تركتها (3) في حياة محمد صلى الله عليه وسلم وبعد موته ونحن أحق بها منك، فاخطب بخطبة الجاهلية، وقل قول من كان في الاسلام دنيا ذليلا وفي الضلال رأسا محاربا، فإنك ممن قاتل النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته وفتن أمته من بعده، وأنت الأبتر ابن الأثير شانىء محمد صلى الله عليه وسلم وشانىء أهل بيته، قال: فغضب عمرو ثم قال: أما! إن فيك لهناة ولو شئت أن أقول لقلت، فقال عمار: وما عسى أن تقول ابن عمي! إني كنت ضالا فهداني الله، ووضيعا فرفعني الله، وذليلا فأعزني الله (4)، فإن كنت تزعم هذا فقد صدقت، وإن أنت تزعم أني خنت الله ورسوله يوما واحدا أو تولينا غير الله يوما واحدا فقد كذبت، ولكن هلم إلى ما نحن فيه الآن، فإن شئت كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك، وإن شئت كانت خطب فنحن أعلم بفصل الخطاب منك، وإن شئت أخبرتك بكلمة تفصل بيننا وبينك ونكفرك قبل القيام من مجلسك وتشهد بها على نفسك ولا تستطيع أن تكذبني، هل تعلم أن عثمان بن عفان كان عليه الناس بين خاذل له ومحرض عليه، وما فيهم من نصره بيده ولا نهى عنه بلسانه، وقد حصر أربعين يوما في جوب داره ليس له جمعة ولا جماعة، وتظن ما كان فيه قبل أن يقتل ما كان من طلحة والزبير، وعائشة بنت أبي بكر حين منعها أرزاقها فقالت فيه ما قالت وحرضت على قتله، فلما قتل خرجت فطلبت بدمه بغير حق ولا حكم من الله تعالى في يدها، ثم إن صاحبك هذا معاوية قد طلب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن يترك له ما في يده، فأبي علي ذلك، فانظر في هذا ثم سلط الحق على نفسك فاحكم لك وعليك.
قال: فقال عمرو: صدقت أبا اليقظان! قد كان ذلك كما ذكرت في أمر عائشة وطلحة والزبير، وأما معاوية فله أن يطلب بدم عثمان لأنه رجل من بني أمية وعثمان