وهذا الأمر قد شهدناه وغبتم عنه، فاتق الله ويحك يا ذا الكلاع! فإن عثمان بن عفان أبيح له قوم فقتلوه بدعوى ادعوا عليه، والله الحاكم في ذلك يوم القيامة، وقد بايعت الناس عليا برضاء منه ومنهم، لأنه لم يك (1) للناس بد من إمام يقوم بأمرهم، وليس لأهل الشام مع المهاجرين والأنصار أمر، فإن قلت أن عليا ليس بخير من معاوية ولا بأحق منه بهذا الامر فهات رجلا (2) من قريش ممن ترضى دينه حتى يعدل بينهم في شيء من الدين والشرف والسابقة في الاسلام! فقال له ذو الكلاع: إنني قد سمعت كلامك أبا نوح! ولم يخف علي منه شيء ولكن هل فيكم عمار بن ياسر؟
فقال أبو نوح: نعم هو فينا، قال (3): فهل يتهيأ لك أن تجمع بينه وبين عمرو بن العاص فيتكلمان وأنا أسمع؟ فقال أبو نوح: نعم.
ثم ولي إلى عسكره فصار إلى عمار وطلب إليه وسأله أن يلقى (4) عمرو بن العاص. قال: فخرج عمار في ثلاثين رجلا من المهاجرين والأنصار، ليس فيهم رجل إلا وقد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير رجلين عمرو بن الحمق الخزاعي ومالك بن الحارث الأشتر، قال: وقام الصباح الحميري إلى معاوية فقال له: إني أرى لك إن تأذن لذي الكلاع أن يلقى أبا نوح فإنه قد طمع فيه، وأخاف أن يشككه في دينه، فقال معاوية: إني قد نهيته فلم ينته عن ذلك، وهو رجل من سادات حمير وأنا أرجو أن لا يخدع، قال: فأنشأ رجل من أصحاب معاوية في ذلك يقول:
إني رأيت أبا نوح لم طمع * في ذي الكلاع فلا يقرب أبا نوح إني أخاف عليه من بوادره * كيد العراق وقرنا غير منطوح إن يرجع اليوم للعقبين ذو كلع * يرجع له الشام من شك وتصريح ما قول عمرو وشر القول أكذبه * إلا هشيم ذراه عاصف الريح لا بارك الله في عمرو وخطبته * إن التي رامها فجر وتجليح