كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٣ - الصفحة ٦٩
وقال: يا معشر اليمن! إن معاوية يريد أن يفرق بينكم وبين إخوانكم، وربيعة لم يزالوا حلفاءكم في الجاهلية وإخوانكم في الإسلام، فلا تلتفتوا إلى تحريض معاوية وهجائه فإنه عدو الله وعدو رسوله، ثم إنه أنشأ وجعل يقول:
قد كمل الله للحيين نعمته * إذ قام بالأمر حسان بن مخدوج من كان يطمع فينا أن يفرقنا * بعد الإخاء وود غير مخدوج فالنجم أقرب منه في تناوله (1) * فيما أراد فلا يولع بتهييج أمست ربيعة أولى بالذي حدثت * من كل حي بحق غير مخدوج وكندة الخير ما زالت لنا ولهم * حتى يرى فتح يأجوج ومأجوج قال: فلما سمع معاوية شعره أيس من الأشعث بن قيس، ثم أمر أصحابه بالخروج إلى الحرب، فجعل الناس يعدون إلى مواقفهم.
قال: وافتقد معاوية راية قضاعة فلم يرها فقال لغلام واقف على رأسه: اذهب إلى النعمان بن جبلة القضاعي فقل له: ما يجلسك عن الخروج إلى العدو وقد زحفت الرايات؟ والله لقد هممت أن أولي أمر قضاعة من هو أنصح منك حبا وأقل منك عيبا، قال: فانطلق الغلام إلى النعمان بهذه الرسالة، فلم يك (2) بأسرع من أن خرجت كراديس قضاعة يقدم بعضهم بعضا حتى وقفوا في مواقفهم، وأقبل النعمان بن جبلة إلى معاوية، فلما رآه معاوية عرف الغضب في وجهه، فقال:
اللهم! إني أعوذ بك من شر سنان هذا المقبل. قال: ثم دنا النعمان بن جبلة من معاوية فنزل عن فرسه وجلس مطرقا ساعة لا يتكلم وقد احتبى بحمائل سيفه، فقال له معاوية: أبا المنذر! ما الذي أجلسك اليوم عن العدو وقد زحفت الرايات وعدت القبائل إلى مواقفها؟ وأنتم تعلمون يا معشر قضاعة! أنكم أعيان عسكري هذا وثقاتي في نفسي، فقال له النعمان: يا معاوية! إننا لو كنا نعدو إلى جيش مصنوع وإناء موضوع لكان في ذلك بعض الأناة، فكيف وإنما نعدو إلى سيوف قاطعة ورماح شارعة وقوم ذوي بصائر نافعة، فلا بد لنا من أن نأخذ لذلك أهبة، وبعد يا معاوية!

(١) وكان حسان بن مخدوج قد مشى إلى الأشعث بن قيس برايته حتى ركزها في داره. وعرض أيضا علي بن أبي طالب (رض) على الأشعث أن يعيدها عليه فأبي وقال: معاذ الله أن يغيرني ذلك لكم، فولاه علي ميمنته وهي ميمنة أهل العراق (وقعة صفين ص ١٤٠).
(2) الأصل: فلم يكن.
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر وقعة الماء وهي أول وقعة صفين 5
2 ذكر الوقعة الثانية بصفين 14
3 ذكر ما جرى بعد ذلك من الكلام 51
4 حديث خالد بن المعمر السدوسي 55
5 ثم رجعنا إلى الخبر 56
6 حديث سودة بنت عمارة الهمذانية مع معاوية 59
7 ثم رجعنا إلى الخبر 61
8 حديث أم سنان المذحجية مع معاوية 65
9 ثم رجعنا إلى الخبر من صفين 68
10 ذكر ما جرى من المناظرة بين أبي نوح وذي الكلاع الحميري 71
11 ذكر ما كان بعد ذلك من القتال 81
12 حديث عدي بن حاتم الطائي مع معاوية 82
13 ثم رجعنا إلى الخبر 83
14 حديث الزرقاء بنت عدي الهمذانية مع معاوية 87
15 ثم رجعنا إلى الخبر 89
16 ثم رجعنا إلى الخبر 103
17 حديث عبد الله بن هاشم مع معاوية 124
18 ثم رجعنا إلى الخبر 126
19 ذكر مقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب 128
20 ذكر ما كان بعد ذلك من القتال 131
21 خبر عرار بن الأدهم 141
22 ذكر ما جرى من الكتب بين علي بن أبي طالب وبين معاوية وعمرو بن العاص وابن عباس لما عضهم سلاح أهل العراق 149
23 ذكر مقتل عمار بن ياسر رحمه الله 158
24 ذكر القوم الذين أنفذهم معاوية إلى علي بن أبي طالب يكلمونه في ضع الحرب 168
25 ذكر تحريض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على القتال 171
26 ذكر تحريض معاوية أصحابه على القتال 172
27 ذكر الواقعة الخميسية وهي وقعة لم يكن بصفين أشد منها وصفة ليلة الهرير 174
28 ذكر صفة ليلة الهرير 180
29 ذكر رفع المصاحف على رؤوس الرماح 181
30 ذكر امتناع القوم من القتال 182
31 ثم رجعنا إلى الخبر 188
32 ذكر ما كان بعد ذلك بينهم من المكاتبة 191