وقال: يا معشر اليمن! إن معاوية يريد أن يفرق بينكم وبين إخوانكم، وربيعة لم يزالوا حلفاءكم في الجاهلية وإخوانكم في الإسلام، فلا تلتفتوا إلى تحريض معاوية وهجائه فإنه عدو الله وعدو رسوله، ثم إنه أنشأ وجعل يقول:
قد كمل الله للحيين نعمته * إذ قام بالأمر حسان بن مخدوج من كان يطمع فينا أن يفرقنا * بعد الإخاء وود غير مخدوج فالنجم أقرب منه في تناوله (1) * فيما أراد فلا يولع بتهييج أمست ربيعة أولى بالذي حدثت * من كل حي بحق غير مخدوج وكندة الخير ما زالت لنا ولهم * حتى يرى فتح يأجوج ومأجوج قال: فلما سمع معاوية شعره أيس من الأشعث بن قيس، ثم أمر أصحابه بالخروج إلى الحرب، فجعل الناس يعدون إلى مواقفهم.
قال: وافتقد معاوية راية قضاعة فلم يرها فقال لغلام واقف على رأسه: اذهب إلى النعمان بن جبلة القضاعي فقل له: ما يجلسك عن الخروج إلى العدو وقد زحفت الرايات؟ والله لقد هممت أن أولي أمر قضاعة من هو أنصح منك حبا وأقل منك عيبا، قال: فانطلق الغلام إلى النعمان بهذه الرسالة، فلم يك (2) بأسرع من أن خرجت كراديس قضاعة يقدم بعضهم بعضا حتى وقفوا في مواقفهم، وأقبل النعمان بن جبلة إلى معاوية، فلما رآه معاوية عرف الغضب في وجهه، فقال:
اللهم! إني أعوذ بك من شر سنان هذا المقبل. قال: ثم دنا النعمان بن جبلة من معاوية فنزل عن فرسه وجلس مطرقا ساعة لا يتكلم وقد احتبى بحمائل سيفه، فقال له معاوية: أبا المنذر! ما الذي أجلسك اليوم عن العدو وقد زحفت الرايات وعدت القبائل إلى مواقفها؟ وأنتم تعلمون يا معشر قضاعة! أنكم أعيان عسكري هذا وثقاتي في نفسي، فقال له النعمان: يا معاوية! إننا لو كنا نعدو إلى جيش مصنوع وإناء موضوع لكان في ذلك بعض الأناة، فكيف وإنما نعدو إلى سيوف قاطعة ورماح شارعة وقوم ذوي بصائر نافعة، فلا بد لنا من أن نأخذ لذلك أهبة، وبعد يا معاوية!