فقالت أم سنان: صدقت (1)، يا معاوية! أنا القائلة هذه الأبيات ولكنه لسان نطق وقول صدق، ولئن تحقق لنا فيك ما نؤمل فحظك الأوفر، ووالله يا معاوية! ما أورد بك الشناءة (2) في قلوب المسلمين إلا مثل هذا وأصحابه، فارفض أقاويلهم وادحض أباطيلهم، فإن كنت (3) فعلت ذلك ازددت من الله قربا ومن المؤمنين حبا، فقال معاوية: وإنك لتقولين ذلك يا أم سنان؟ فقالت أم سنان: سبحان الله العظيم!
يا معاوية! ما مثلي من احتج بالباطل ولا اعتذر بالكذب، وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا، وإن عليا كان أحب إلينا منك إذ كان حيا، وأنت والله أحب إلينا من غيرك إذ كنت باقيا. فقال معاوية: أنا أحب ممن؟ فقالت: من مروان بن الحكم ومن سعيد بن العاص، فقال معاوية: وبما استحققت ذلك عندكم؟ فقالت: بحسن عملك (4) وكرم عفوك، فقال معاوية: لقد قاربت من القول يا أم سنان! ولست أذكر منك ما كان من تحريضك علي يوم الأشتر وعمرو بن العاص، ولكن ألك حاجة فتقضى؟ فقالت: نعم، إن مروان بن الحكم قد تبنك (5) بالمدينة وتبنك من لا يريد البراح عنها، وهو مع ذلك لا يريد أن يحكم بعدل ولا يقضي بسنة، ويتبع عثرات المسلمين ويكشف عورات المؤمنين، وذلك أنه حبس قرابة لي، فجئته وكلمته فيه فقال كيت وكيت، فوالله ما قمت من بين يديه حتى ألقمته أخشن من الحجر وألعقته أمر من الصبر، ثم رجعت على نفسي باللائمة وجئتك لتكون لي ناصرا، وفي أمري ناظرا، وعليه معتديا، وبأهل الحق مقتديا، قال: فضحك معاوية من حسن كلامها ثم قال: يا أم سنان! فإننا لا نسألك عن ذنب محبوسك ولا القيام بحجته ولكنا نطلقه لك وإن رغم مروان.
ثم قال معاوية: اكتبوا لها بإطلاق محبوسها حتى ترجع إلى منزلها، فقالت:
وأنى بالرجعة (6) وقد نفدت نفقتي وكلت راحلتي! فقال معاوية: هيئوا لها راحلة وادفعوا إليها ألف درهم، فقالت: أنت أكرم من أن تعطي ألف درهم، قال: