له كذا وكذا، فلم أطمع في خديعته، فقال معاوية: إن الحسين بن علي لا يخدع وهو ابن أبيه.
قال (1): ثم صاح معاوية بخيل أهل الشام أن احملوا رحمكم الله فقد بلغ الأمر أشده! فحملت أهل الشام على أهل العراق فاقتطعوا من أصحاب علي ألف رجل أو أكثر، وأحاطوا بهم وأحالوا بينهم وبين أصحابهم فلم يروهم، قال: ونظر علي إلى ذلك فنادى بأعلى صوته: ألا رجل يشري نفسه لله ويبيع ديناه بآخرته؟ قال: فأقبل إليه رجل من بني جعف يقال له عبد العزيز بن الحارث (2) على فرسه فقال: يا أمير المؤمنين! مرني بأمرك فداك أبي وأمي! فوالله لا تأمرني بشيء إلا فعلته! قال:
فجعل علي يقول:
شريت بأمر لا يطاق حفيظة * حياء (3) وإخوان الحفاظ قليل جزاك إله الناس خيرا فقد وفت * يداك بفضل من هناك جزيل ثم قال علي: احمل يا أبا الحارث! شد الله ركنك على أهل الشام، حتى تأتي أصحابك فتقرئهم عني السلام وقل لهم يكبروا ويهللوا، فنحن قد وافيناكم إن شاء الله.
قال: فحمل الفتى على أهل الشام وزعق وقاتل حتى انفرجوا له، ثم صار إلى أصحابه فأبلغهم الرسالة، قال: فكبر القوم وهللوا، وكبر علي وأصحابه وهللوا وحملوا أولئك، فوقعت الهزيمة على أهل الشام، فقتل منهم في تلك الوقعة نيف عن سبعمائة رجل، ولم يقتل من أصحاب علي ولا رجل واحد. فقال علي لأصحابه، من أعظم الناس غناء في هذا اليوم؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين! فقال علي: ولكن الجعفي أعظم غناء في اليوم، فأنشأ رجل من أصحاب علي يقول (4): لقد رأيت أمورا كلها عجب * وما رأيت كأيام بصفينا لما غدوا وغدونا كلنا حنقا * كما رأيت كمال أكلة الجونا (5)