قال: ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب، فقال معاوية: صدقت أبا عبد الله ولكنك قد علمت ما مر علينا بالأمس من القتل والهلاك، وأظن عليا سيباكرنا الحرب غدا ويعمل على المناجزة، وقد رأيت أن أشغله أنا غدا عن الحرب بكتاب أكتبه إلى ابن عباس، فإن هو أجابني إلى ما أريد فذلك، وإلا كتبت إلى علي وتحملت عليه بجميع من في عسكره فإن أجاب، وإلا صادمته وجعلتها واحدة لي أم علي، فهذا رأيي وإنما أريد بذلك أن أجم الحرب أياما، فقد تعلم ما نزل بنا في هذه الأيام، و إن كان عندك رأي غير هذا فهاته، فقال عمرو: أما أنا فأقول إن رجاءك لا يقوم رجاءه ولست بمثله، وهو رجل يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره، وهو يريد الفناء وأنت تريد البقاء، وليس يخاف أهل الشام من علي إن ظفر بهم ما تخاف أهل العراق إن ظفرت بهم، وأظنك تريد مخادعة علي، وأين أنت من خديعته، فقال معاوية: فكيف ذلك؟ ألسنا ببني عبد مناف؟ قال: فضحك عمرو ثم قال: بلى لعمري أنت وهو من بني عبد مناف كما تقول ولكن لهم النبوة من دونك، فإن شئت فاكتب.
قال: فكتب معاوية إلى ابن عباس (1): أما بعد، فإنكم يا معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالإساءة منكم إلى أنصار عثمان، فإن يكن ذلك لسلطان بني أمية فقد ورثتها تيم وعدي قبل بني أمية (2)، وقد وقع من الأمر ما ترى وأدالت هذه الحروف منا ومنكم حتى استوينا فيها، والذي أطمعكم فينا هو الذي أطمعنا فيكم، و الذي أيسنا منكم هو الذي أيسكم منا، وقد رجونا غير الذي كان وخشينا دون ما وقع، ولستم تلاقوننا اليوم إلا بمثل ما كان بالأمس ولا غدا إلا بمثل اليوم، وقد منعنا بما كان منا الشام، ومنعتم بما كان منكم العراق، فأبقوا على قريش واتقوا الله ربكم، فإنما بقي من قريش ستة رجال: رجلان بالشام أنا وعمرو بن العاص، و رجلان بالعراق علي وأنت، ورجلان بالحجاز سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر، ومن هؤلاء الستة رجلان ناصبان لك ولابن عمك، ورجلان واقفان عليكم سعد وابن عمر، وأنت رأس هذا الجمع بعد ابن عمك، ولو بايع (3) الناس لك بعد عثمان لكنا إلى طاعتك أسرع منا إلى علي، فرأيك فيما كتبت إليك - والسلام -.