قد كنت في منظر عن ذا ومستمع * يا عتب لولا سفاه الرأي والسرف فاليوم يقرع منك السن من ندم * ما للمبارز إلا العجز والكسف قال: وأصبح (1) القوم فعبى علي أصحابه وتقدمت الأنصار بين يديه براياتها وأعلامها، فقال معاوية: من هؤلاء الذين خرجوا في هذه التعبية؟ فقيل له: هؤلاء الأنصار. قال فدعا معاوية بالنعمان بن بشير ومسلمة بن مخلد - ولم يكن معه من الأنصار غيرهما (2) - فقال لهما: يا هذان! ماذا لقيت من قومكما الأوس والخزرج قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم وأقبلوا يدعون الناس إلى البراز! حتى إني والله ما أسأل عن فارس من فرسان الشام إلا قيل: قتله فلان الأنصاري، ألا ترجعون إلى أكل التمر والطفيشل (3) ويتركون الحروب لأهلها. قال: فغضب النعمان بن بشير من ذلك ثم قال: يا معاوية! لا تلم الأنصار على إسراعهم إلى الحرب، فإنهم هكذا كانوا في الجاهلية، وأما دعاؤهم الناس إلى النزال، فقد رأيتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت بلاءهم بين يديه، وأما التمر فإنه كان لنا، فلما ذقتموه غلبتمونا عليه وشاركتمونا فيه، وأما الطفيشل فإنه كان لليهود، فلما ذقناه غلبناهم عليه.
قال: وبلغ ذلك قيس بن سعد بن عبادة، فقال: يا معشر الأنصار! إن ابن آكلة الأكباد قال كذا وكذا، وقد أجاب عنكم صاحبكم النعمان بن بشير، ولعمري لئن وترتموه في الاسلام فقد وترتموه في الجاهلية، وأنتم اليوم مع ذلك اللواء الذي كان جبريل عليه السلام عن يمينه وميكائيل عن يساره، اليوم تقاتلون مع لواء أبي جهل بن هشام ولواء الأحزاب.
قال: فقالت الأنصار: يا بن سيد الخزرج! مرنا بأمرك فها نحن بين يديك.
قال: وكتب قيس بن سعد إلى معاوية.
يا بن هند دع التوثب في الحر * ب إذا نحن في الحروب ثوينا (4) نحن منك الغداة أقرب من أمس * س وقد قرب القنا عسكرينا