قال: العجب منكم يا معشر قريش! إنه ليس لاحد منكم في هذه الحروب مقال (1) يطول به لسانه غدا على الناس فيقول: فعلت في يوم صفين كذا وكذا. قال فقال الوليد بن عقبة: ولا أنا يا معاوية؟ فقال: ولا أنت والله يا وليد ولا غيرك من قريش الشام! وما رأيت أحدا منكم خرج إلى حرب القوم إلا رجع مفضوحا، فشوها لي ولكم! أبهذا يؤخذ الامر من مثل علي وأصحابه؟ والله لقد وقوا عليا بأنفسهم ووقاهم علي بنفسه (2).
قال: فقال له مروان: إنك قد تكلمت فاسمع الجواب، قال معاوية: هات حتى أسمع! فقال مروان: إننا إن فاخرناهم فالفخر فيهم التقوى، وإن كان في الجاهلية فالملك لليمن، وإن كانت لقريش فإن العرب قد أقرت بالفخر لبني عبد المطلب وعلي من بني عبد المطلب، فبما ذا تفاخره؟ فقال معاوية: إنني لم آمركم بمفاخرته وإني أمرتكم بمثاقفته، قال: فسكت مروان. فتكلم عتبة بن أبي سفيان فقال: أما أنا فإني أخرج إلى جعدة بن هبيرة (3)، فقال مروان: بخ بخ!
جعدة رجل من بني مخزوم، أبو ه هبيرة بن أبي وهب المخزومي وأمه هانىء بنت أبي طالب، ولكن خبرني عنك إذا أنت لقيت جعدة بن هبيرة فماذا أنت صانع؟ فقال عتبة: ألقاه بالكلام وأقاتله بالحسام، قال: فسكت مروان.
وأصبح (4) الناس، فأرسل عتبة إلى جعدة فدعاه حتى واقفه، واجتمع الناس لكلامهما (5)، فقال عتبة: يا جعدة! إني قد علمت أنه ما أخرجك علينا إلا حب علي بن أبي طالب، وإننا والله ما نزعم أن معاوية أحق بالخلافة من علي لولا أمره في عثمان، ولكن معاوية أحق بالشام لرضا أهلها به، فاسأل خالك أن يعفو لنا عنها، فوالله ما بالشام رجل به طرف (6) إلا وهو أجد في حربكم من معاوية ولا بالعراق والحجاز من له مثل جد علي، وما أقبح بعلي أن يكون ملك نفسه وهو أولى الناس