أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (1)، وقال الله تعالى: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح) (2).
فمواقف الناس في الجهاد على أحوال، وبعضهم في ذلك أفضل من بعض. فمن دلف إلى الأقران واستقبل السيوف والأسنة كان أثقل على أكتاف الأعداء لشدة نكايته فيهم ممن وقف في المعركة وأعان ولم يقدم، وكذلك من وقف في المعركة وأعان ولم يقدم إلا أنه بحيث تناله السهام والنبل أعظم عناء وأفضل ممن وقف حيث لا يناله ذلك. ولو كان الضعيف والجبان يستحقان الرئاسة بقلة بسط الكف وترك الحرب وان ذلك يشاكل فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان أوفر الناس حظا في الرئاسة وأشدهم لها استحقاقا حسان بن ثابت، وان بطل فضل علي (عليه السلام) في الجهاد، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أقلهم قتالا - كما زعم الجاحظ - ليبطلن على هذا القياس فضل أبي بكر في الانفاق لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أقلهم مالا.
وأنت إذا تأملت امر العرب وقريش، ونظرت السير وقرأت الاخبار عرفت انها تطلب محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقصد قصده وتروم قتله فان أعجزها وفاتها طلبت عليا وأرادت قتله، لأنه كان أشبههم بالرسول حالا وأقربهم منه قربا، وأشدهم عنه وقعا، وانهم متى قصدوا عليا فقتلوه أضعفوا امر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكسروا شوكته، إذ كان [علي] أعلى من ينصره في البأس والقوة والشجاعة والنجدة والاقدام والبسالة، ألا ترى إلى قول عتبة بن ربيعة يوم بدر وقد خرج هو واخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة فاخرج إليهم الرسول نفرا من الأنصار فاستنسبوهم فانتسبوا لهم فقالوا:
ارجعوا إلى قومكم ثم نادوا: يا محمد! اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال