الشعارير فطعنه بالحربة فجعل يخور كما يخور الثور ولو لم يدل على ثباته حين انهزم أصحابه وتركوه إلا قوله تعالى (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم) فكونه (صلى الله عليه وآله وسلم) في أخراهم وهم يصعدون ولا يلوون هاربين دليل على أنه ثبت ولم يفر. وثبت يوم حنين في تسعة من اهله ورهطه الأدنين وقد فر المسلمون كلهم والنفر التسعة يحدقون به: العباس آخذ بحكمة بغلته، وعلي بين يديه مصلت سيفه، والباقون حول بغلته يمنة ويسرة وقد انهزم المهاجرون والأنصار وكلما فروا اقدم هو (صلى الله عليه وآله وسلم) وصمم مستقدما يلقى السيوف والنبال بنحره وصدره، ثم أخذ كفا من البطحاء وحصب المشركين وقال: شاهت الوجوه والخبر المشهور عن علي وهو أشجع البشر: " كنا إذا اشتد البأس وحمي الوطيس اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولذنا به ". فكيف يقول الجاحظ إنه ما خاض الحروب ولا خالط الصفوف؟! وأي فرية أعظم من فرية من نسب رسول الله إلى الاحجام أو اعتزال الحرب! ثم أي مناسبة بين أبي بكر ورسول الله في هذا المعنى! ليقيسه وينسبه إلى رسول الله صاحب الجيش والدعوة ورئيس الاسلام والملة، والملحوظ بين أصحابه وأعدائه بالسيادة، وإليه الاتجاه والإشارة وهو الذي أحنق قريشا والعرب وورى أكبادهم بالبراءة من آلهتهم وعيب دينهم وتضليل اسلافهم، ثم وترهم فيما بعد بقتل رؤسائهم وأكابرهم وحق لمثله إذا تنحى عن الحرب واعتزلها، ان يتنحى ويعتزل، لأن ذلك شأن الملوك والرؤساء إذا كان الجيش منوطا بهم وببقائهم فمتى هلك الملك هلك الجيش، ومتى سلم الملك أمكن أن يبقى عليه ملكه، وان عطب جيشه يجند جيشا آخر، ولذلك نهى الحكماء أن يباشر الملك الحرب بنفسه وخطأوا الإسكندر لما بارز قوسرا ملك الهند ونسبوه إلى مجانبة الحكمة ومفارقة الصواب والحزم، فليقل لنا الجاحظ: أي مدخل لأبي بكر في هذا المعنى؟ ومن الذي كان يعرفه من أعداء الاسلام ليقصده بالقتل؟ وهل هو الا واحد من عرض المهاجرين، حكمه حكم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن
(١٩٠)