إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٨ - الصفحة ١٠٦

لبنة، وأصلها ما يبنى به من طين. قوله: (فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم)، هذا الإطلاق يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله ونصفهم قبح كله، ويحتمل أن يكون كل واحد منهم نصفه حسن ونصفه قبيح - والثاني هو المراد، ويريده قوله في صفتهم: (هؤلاء قوم خلطوا) أي عمل كل منهم صالحا وخلطه بعمل سئ.
قوله: (فقعوا في ذلك النهر) بصيغة فعل الأمر بالوقوع، والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص.
قوله: (كأن ماءه المحض) بفتح الميم وسكون المهملة بعدها ضاد معجمة، هو اللبن الخالص من الماء حلوا كان أو حامضا.
قوله: ذهب ذلك السوء عنهم، أي صار القبح كالشطر الحسن، فلذلك قال: وصاروا في أحسن صورة.
قوله: فيرفضه) بكسر الفاء ويقال بضمها، قال ابن هبيرة: رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة، لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه، فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن، عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس.
قوله: (وينام عن الصلاة المكتوبة، هذا أوضح من رواية جرير بن حازم بلفظ: (وعلمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار).
فإن ظاهره أنه يعذب على ترك قراءة القرآن بالليل، بخلاف رواية عوف فإنه على تركه الصلاة المكتوبة، ويحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين، ترك القراءة وترك العمل.
قوله: (فهم الزناة) مناسبة العرى لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة، فعوقبوا بالهتك، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنابتهم من أعضائهم السفلى.
قوله: (فإنه آكل الربا). قال ابن هبيرة: إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة، لأن أصل الربا يجري في الذهب، والذهب أحمر، وأما إلقام الملك الحجر، فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئا، وكذلك الربا، فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد، والله من ورائه محقه.
قوله: (خازن جهنم) إنما كان كريه الرؤية، لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار.
قوله: (وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم) وإنما اختص إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأنه أبو المسلمين، قال تعالى: (ملة أبيكم إبراهيم) [الحج: ٧٨]، وقال تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) [آل عمران: ٦٨] قوله: (وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح)، كذا في الموضعين بنصب الشطر... ولغير أبي ذر (شطر) في الموضعين بالرفع، و (حسنا) و ((قبيحا) بالنصب، ولكل وجه.
وفي حديث أبي أمامة: (ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء أقبح شئ منظرا وأنتنه ريحا كأنما ريحهم المراحيض، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة، ثم انطلقنا، فإذا نحن بموتى أشد شيئا انتفاخا وأنتنه ريحا، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى الكفار، ثم انطلقناه فإذا نحن برجال نيام تحت ظلال الشجر، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى المسلمين، ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال أحسن شئ وجها وأطيبه ريحا، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء هم الصديقون والشهداء والصالحون).
وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الإسراء وقع مرارا، يقظة ومناما، على أنحاء شتى، وفيه أن العصاة يعذبون في البرزخ.
وفيه نوع من تلخيص العلم، وهو أن يجمع القضايا جملة، ثم يفسرها على الولاء، ليجتمع قصورها في الذهن، والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة، وعن رفض القرآن لمن يحفظه، وعن الزنا، وأكل الربا، وتعمد الكذب، وأن الذي له قصر في الجنة لا يقيم فيه وهو في الدنيا بل إذا مات، حتى النبي والشهيد.
وفيه الحث على طلب العلم، واتباع من يلتمس منه ذلك، وفيه فضل الشهداء، وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم عليه السلام، لاحتمال أن إقامته هناك بسبب كفالته الولدان، ومنزله هو في المنزلة التي هي أعلى من منازل الشهداء، كما تقدم في الإسراء، أنه رأى آدم في السماء الدنيا، وإنما كان كذلك لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير ومن أهل الشر، فيضحك ويبكي، مع أن منزلته هو في عليين، فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم في منزلته.
وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها، وفضل تعبيرها، واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح، لأنه الوقت الذي يكون فيه البال مجتمعا.
وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة، وأراد أن يعظهم أو يفتيهم، أو يحكم بينهم.
وفيه أن ترك استقبال القبلة للإقبال عليهم لا يكره، بل يشرع كالخطيب.
قال الكرماني: مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة إلا الزنا ففيها خفاء، وبيانه أن العرى فضيحة كالزنا، والزاني من شأنه طلب الخلوة فناسب التنور، ثم خائف حذر حال الفعل كأن تحته نار.
وقال أيضا: الحكمة في الاقتصار على من ذكر من العصاة دون غيرهم أن العقوبة تتعلق بالقول أو الفعل، فالأول: على وجود ما لا ينبغي منه أن يقال. والثاني: إما بدني أو مالي، فذكر لكل منهم مثال ينبه به على من عداه، كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب، وأنهم أربع درجات: درجات النبي، ودرجات الأمة أعلاها الشهداء، وثانيها من بلغ، وثالثها من كان دون البلوغ (فتح الباري) مختصرا.
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 106 111 112 113 114 115 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ليس فيما حرم شفاء 3
2 السعوط 4
3 ذات لجنب 6
4 الكحل 9
5 الحبة السوداء 12
6 السنا 14
7 التلبينة والحساء 16
8 اغتسال المريض 19
9 اجتناب المجذوم 24
10 وأما عرق النسا 31
11 وأما كثرة أمراضه صلى الله عليه وسلم 34
12 الحناء 35
13 الذريرة 38
14 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سحر 40
15 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سم 45
16 وأما أنه صلى الله عليه وسلم رقى 48
17 وأما أنه صلى الله عليه وسلم احتجم 56
18 وأما الكي والسعوط 62
19 وأما الحناء 64
20 وأما السفرجل 64
21 فصل في ذكر حركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكونه 66
22 وأما عمله صلى الله عليه وسلم في بيته 66
23 وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلم 67
24 وأما ما يقوله إذا خرج من بيته صلى الله عليه وسلم 68
25 وأما مشيه صلى الله عليه وسلم 72
26 وأما نومه صلى الله عليه وسلم 80
27 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ 89
28 وأما أن قلبه صلى الله عليه وسلم لا ينام 90
29 وأما مناماته عليه السلام 92
30 فصل في ذكر صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة 139
31 ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن العوم في الماء صلى الله عليه وسلم 143
32 ذكر شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعث 145
33 فصل في ذكر سفره صلى الله عليه وسلم 150
34 أما يوم سفره صلى الله عليه وسلم 150
35 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا 153
36 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا علا على شئ 158
37 وأما كيف سيره صلى الله عليه وسلم 161
38 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم ويعمله إذا نزل منزلا 163
39 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم في السحر 164
40 ذكر ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية 165
41 ذكر تنفله صلى الله عليه وسلم على الراحلة 166
42 وأما ما يقول إذا رجع من سفره صلى الله عليه وسلم 167
43 وأما ما يصنع إذا قدم من سفر صلى الله عليه وسلم 169
44 وأما كونه لا يطرق أهله ليلا 171
45 فصل في الأماكن التي حلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى الرحلة النبوية 174
46 وأما سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه 174
47 وأما سفره صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة رضى الله تعالى عنها 186
48 وأما الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته الآيات ربه الكبرى 190
49 فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج 214
50 فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم 214
51 فصل جامع في معراج النبي صلى الله عليه وسلم 283
52 فصل في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ليلة الإسراء 302
53 فصل في سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف 305
54 فصل في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنة وذى المجاز 309
55 فصل في ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة 316
56 فصل في ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم 330
57 غزوة الأبواء 332
58 غزوة بواط 334
59 غزوة بدر الأولى 336
60 غزوة ذي العشيرة 337
61 غزوة بدر الكبرى 339
62 غزوة بني قينقاع 346
63 غزوة السويق 348
64 غزوة قراره الكدر 350
65 غزوة ذي أمر، وهي غزوة غطفان 352
66 غزوة نجران 354
67 غزوة أحد 355
68 غزوة حمراء الأسد 357
69 غزوة بني النضير 359
70 غزوة بدر الموعد 362
71 غزوة ذات الرقاع 363
72 غزوة دومة الجندل 367
73 غزوة المريسيع 369
74 غزوة الخندق 372
75 غزوة بني قريظة 376
76 غزوة بني لحيان 379
77 غزوة الغابة 380
78 غزوة خيبر 382
79 عزوة الفتح 384
80 غزوة حنين 388
81 غزوة تبوك 391